السنيدي يكتب: استعادة الدولتين.. الطريق نحو سلام عادل ومستقر

ابوناصر فانون السنيدي
تمرّ المنطقة اليوم بمرحلة تحولات كبرى، تفرض على الجميع إعادة النظر في شكل العلاقة بين الشمال والجنوب، والبحث عن صيغة واقعية تضع حدًا لحالة الصراع المزمن وتؤسس لسلامٍ حقيقيٍ يقوم على العدالة والشراكة المتكافئة، فكل محاولات تجاوز جوهر الأزمة اليمنية خلال العقود الماضية فشلت لأنها تجاهلت المسألة الجنوبية، وتعاملت معها كقضية فرعية يمكن ترحيلها أو الالتفاف عليها، بينما هي في الواقع أصل الصراع ومفتاح الحل.
إن أي مشروع سياسي مستقبلي لا يمكن أن ينجح إلا بالاعتراف الكامل بواقع الدولتين، وبالجلوس على طاولة الحوار كطرفين، شمالي وجنوبي، تحت رعاية دولية، لصياغة خريطة طريق نهائية تضمن الحقوق وتحدد الالتزامات بوضوح، فشعب الجنوب لا يطالب بالمستحيل، بل يسعى لاستعادة دولته التي كانت قائمة ومعترفًا بها حتى العام 1990، دولة العدالة والقانون والكرامة.
الحل السياسي المنشود يجب أن يقوم على مبدأ استعادة الدولتين ضمن صيغة انتقالية مقننة، سواء كانت كونفدرالية أو فيدرالية محددة المدة، تتيح للطرفين ترتيب أوضاعهما الداخلية، وتضمن إدارة شؤونهما الاقتصادية والأمنية بعيدًا عن الوصاية أو التبعية، هذه الصيغة يمكن أن تكون الجسر نحو استقرار دائم إذا ما التزمت الأطراف بروح الاتفاق ونصوصه، وجرى تضمينه في وثيقة ملزمة يوقّع عليها الجميع، مع فرض عقوبات دولية على أي طرف يعرقل تنفيذها أو يحاول الالتفاف عليها.
إن استعادة الدولتين لا تعني القطيعة أو العداء، بل تعني بناء علاقة جديدة تقوم على الاحترام والمصالح المشتركة، تفتح الباب أمام تعاون اقتصادي وأمني متبادل، وتُنهي عقودًا من الصراع والظلم، فالشعوب التي تتصالح مع نفسها قادرة على مدّ جسور السلام مع جيرانها، والعالم اليوم بحاجة إلى يمنٍ وجنوبٍ مستقرين أكثر من أي وقتٍ مضى.
لقد آن الأوان لأن يدرك الجميع أن السلام لا يُفرض بالقوة ولا يُبنى على إنكار الحقائق، وأن الاستقرار الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالواقع كما هو، لا كما يريد البعض رسمه، الجنوب ماضٍ في طريقه بثقة، والشمال مطالبٌ بأن يواجه مسؤوليته بشجاعة، والعالم أمام فرصة تاريخية لرعاية تسوية عادلة تعيد التوازن للمنطقة بأسرها.
فاستعادة الدولتين ليست نهاية الطريق، بل بدايته نحو مستقبلٍ أكثر استقرارًا وعدالة، حين يجلس الشمال والجنوب على طاولة واحدة، وجهاً لوجه، ليكتبا معًا صفحة جديدة من تاريخٍ طال انتظاره.