ما هو اصرار سيدنا موسى عليه السلام {إنك لن تستطيع معي صبرا}..
النقابي الجنوبي/ خاص
{إنك لن تستطيع معي صبرا}
تساءلتُ يوما :
لماذا كل هذا الإصرار من سيدنا موسى عليه السلام لبلوغ المكان الذي سيلاقي فيه سيدنا الخضر عليه السلام؟
“وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ
لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ
أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ”
ولماذا سيدنا موسى تحديدا
الذي قدر له من بين جميع الأنبياء و الرسل
أن يقابل سيدنا الخضر الأكثر علما و رحمة
قصة موسى و العبد الصالح
لم تكن كغيرها من القصص..
لماذا؟!!
لأن القصة تتعلق بعلم خاص..
ليس هو علمنا القائم على الأسباب ..
وليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي ..
إنما نحن في هذه القصة
أمام علم من طبيعة أخرى خاصة…
{علم القدر الأعلى}
علمٌ أسدلت عليه الأستار الكثيفة،
كما أسدلت على مكان اللقاء و زمانه
وحتى الاسم { عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا }
كان هذا اللقاء استثنائيا
يجيب على أصعب سؤال يدور في النفس البشرية
منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها..
السؤال هو:
-لماذا خلق الله الشر و الفقر والمعاناة والحروب والأمراض
ولماذا يموت الأطفال وكيف يعمل القدر؟
البعض يذهب إلى أن العبد الصالح
لم يكن إلا تجسيدا للقدر المتكلم لعله يرشدنا..
– فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا.
– آَتَيْنَاهُ {رَحْمَةً} مِنْ عِنْدِنَا.
– وَ{عَلَّمْنَاهُ} مِنْ لَدُنَّا عِلْماً.
أهم مواصفات القدر المتكلم
كما وصفه الله عزّ وجل
أنه رحيم عليم..
فالرحمة سبقت العلم.
فقال النبي البشر موسى:
– هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَني مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً؟
يرد القدر المتكلم (الخضر) :
– قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً
فَفَهمُ أقدار الله فوق إمكانيات العقل البشري
ولن تصبر على التناقضات التي تراها ….
فيرد موسى بكل فضول البشر :
– سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً
هنا تبدأ أهم رحلة توضح لنا كيف يعمل القدر…
يركبان في قارب المساكين فيخرق الخضر القارب..!!
تخيل معي المعاناة الرهيبة
التي حدثت للمساكين في القارب المثقوب ..
معاناة..!!
ألم…!!
رعب…!!
خوف..!!
تضرع…!!
جعلت موسى البشري يقول :
قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا..
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً..!!
عتاب للقدر كما نفعل نحن تماما..
– أخلقتني بلا ذرية كي تشمت بي الناس..؟!!
– أفصلتني من عملي كي أصبح فقيرا ..؟!!
– أأزحتني عن الحكم ليشمت بي الأراذل ..؟!!
– يارب لماذا كل هذه السنوات في السجن ..؟!!
– يارب لماذا هذا الزلزال المدمر؟
– يارب أنستحق هذه المهانة..؟!!
وتكون الإجابة بسؤال أيضا:
– أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً؟
(ألم أقل لك أنك أقل من أن تفهم الأقدار؟ )
ثم يمضيان بعد تعهد جديد من موسى بالصبر ..
فيمضي الرجلان
و يقوم الخضر الذي وصفه ربنا بالرحمة قبل العلم
بقتل الغلام ويمضي…
فيزداد غضب موسى عليه السلام
وهو النبي الذي يأتيه الوحي و يعاتب بلهجة أشد :
أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا.
تحول من إمراً إلى نكراً..
و الكلام صادر عن نبي أوحي إليه
لكنه بشر مثلنا و يعيش نفس حيرتنا..!!
فيؤكد له الخضر مرة أخرى:
– أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً؟
ثم يمضيان بعد تعهد أخير من موسى كليم الله
بأن يصمت و لا يسأل..
فيذهبان إلى القرية فيبني الخضر الجدار
ليحمي كنز اليتامى..
وهنا ينفجر موسى فيجيبه من سخَّره ربه
ليحكي لنا قبل موسى حكمة القدر:
قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرا
هنا تتجلى حكمة الله التي لن تفهم بعضها
حتى يوم القيامة ..
إن الشر نسبي..
و مفهومنا كبشر عن الشر قاصر
لأننا لا نرى الصور الكاملة..!!
فالقدر أنواع ثلاث:
النوع الأول:
(شر تراه فتحسبه شرا فيكشف الله لك أنه كان خيرا)
فما بدا شرا لأصحاب القارب اتضح أنه خير لهم..
و هذا هو النوع الأول..
ونراه كثيرا في حياتنا اليومية..
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم
النوع الثاني: مثل قتل الغلام..
(شر تراه فتحسبه شرا لكنه في الحقيقة خير)
لكن لن يكشفه الله لك طوال حياتك…!!
فتعيش عمرك و أنت تحسبه شرا..
هل عرفت أم الغلام حقيقة ما حدث؟
وهل أخبرها الخضر؟
الجواب طبعا:
– لا
وبالتأكيد قلبها انفطر و أمضت الليالي الطويلة حزنا على هذا الغلام الذي ربته سنينا في حجرها ليأتي رجل غريب يقتله ويمضي..
و بالتأكيد ..
هي لم تستطع أبدا أن تعرف أن الطفل الثاني