بين القلم والميكروفون.. عدن تودّع رمزين من صنّاع وعيها الإعلامي

النقابي الجنوبي/تقرير/السميفع
نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين بعدن تؤبن الفراص وشمسان وتكرّم إرثهما
في صباح يوم أمس الخميس31 أكتوبر 2025م بمدينة عدن، اجتمع العشرات من الصحفيين والإعلاميين والمثقفين ووجوه اجتماعية في مقر نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين بالتواهي، ليس لحضور تأبين عادي، بل لتكريم رمزين تركا بصمة لا تُمحى في المشهد الإعلامي الجنوبي: الصحفي سالم الفراص والمخرج الإذاعي سعيد شمسان. لم يكن الحدث مجرد وقفة حداد، بل شهادة حية على عطاءٍ امتد لعقود، وعلى دورٍ لم يقتصر على نقل الأخبار، بل ساهم في تشكيل وعي المجتمع.
كلمات من قلب الحدث: بين الرعاية والمسؤولية
بدأت الفعالية بقراءة الفاتحة على أرواح الفقيدين. ثم تحدث نقيب الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، عيدروس باحشوان، فرحّب بالحضور وشكر رئيس المنطقة الحرة، حسن الحيد، على مبادرته بتنظيم التأبين. وشدّد باحشوان على أن مثل هذه المبادرات ليست ترفًا، بل ضرورة لتكريس ثقافة الوفاء لأولئك الذين بذلوا أنفسهم في خدمة الكلمة والصوت.
من جانبه، أشار نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة الأمين العام لنقابة الصحفيين الجنوبيين، صلاح العاقل، إلى أن رحيل الفقيدين يُفقد المشهد الإعلامي ركيزتين أساسيتين، داعيًا الحكومة إلى دعم مبادرة إنشاء صندوق لرعاية الصحفيين، تقديراً لدورهم الوطني والتنويري.
أما محمد هشام باشراحيل، رئيس مجلس إدارة مؤسسة “14 أكتوبر”، فوصف الفقيدين بأنهما “ركنا الذاكرة الإعلامية العدنية”، مؤكّدًا أن غيابهما لا يمحو أثرهما، بل يُضاعف من مسؤولية الأجيال القادمة في الحفاظ عليه.
مسيرتان لا تُنسيان: قلم يكتب للوطن، وصوت يحمل رسالة
تتبّع باشراحيل مسيرة الفراص المهنية التي امتدت لأكثر من أربعين عاماً في صحيفة “14 أكتوبر”، بدءاً من كاتب عمود أسبوعي، وصولاً إلى كبير المحررين. وصفه بأنه “الصحفي الحر الذي لم يساوم على مبادئه”، ولفت إلى أن كتاباته كانت مزيجاً نادراً من الأدب والوعي الاجتماعي، تلامس هموم الناس دون تصنع.
أما سعيد شمسان، فلم يكن مجرد مخرج إذاعي، بل فنان حوّل الميكروفون إلى منبر للجمال والوعي. ترك بصمته في الإذاعة العدنية عبر برامج لا تزال عالقة في ذاكرة المستمعين، وجعل من الصوت وسيلة لنقل الروح لا مجرد المعلومات.
شهادات من القلب: لا مكان للنسيان
ريام المرفدي، مدير عام التسويق والترويج في المنطقة الحرة – عدن، أشارت إلى أن الفراص كان “ذاكرة ناطقة” تحمل في طيّاتها تاريخ المدينة وتفاصيلها، بينما كان شمسان “صوت الوجدان الجنوبي”. وشدّدت على أن كليهما لم يكتف بأداء وظيفته، بل جسّدا التفاني حتى آخر نفس.
وأعربت أسرتا الفقيدين عن امتنانهما للنقابة والمشاركين، مؤكّدتين أن هذا التكريم يعكس تقديرًا حقيقيًا لحياةٍ كُرّست للخدمة العامة، لا للمجد الشخصي.
تأبين يتجاوز الحدث: إرث يُبنى عليه
لم تخلُ الفعالية من مداخلات زملاء الفقيدين، الذين تذكّروا معهم لحظات العمل، والتحديات، والمبادرات التي شكّلت محطات مضيئة في مسيرتهما. وتم تكريم الأسرتين بشهادتي تقدير، تعبيرًا عن اعتراف جماعي بعطاءٍ لا يُقدّر بثمن.
كان هذا التأبين، في جوهره، تأكيدًا على أن الفقيدين لم يكونا مجرد موظفين في مؤسسات إعلامية، بل مهندسين لوعي جيل كامل. وقد نجح الحدث في الجمع بين الطابع الرسمي واللمسة الإنسانية، ليُظهر أن الإرث الحقيقي لا يُقاس بعدد السنوات، بل بعمق الأثر.
في الختام: رحيل يُخلّد
مع انتهاء الفعالية، بقي انطباعٌ واضح: أن رحيل الفراص وشمسان لم يترك فراغًا يمكن ملؤه بسهولة. فقد كانا أكثر من صحفي ومخرج؛ كانا جزءًا من نسيج المدينة الثقافي والإعلامي. وبين الكلمات والدموع والشهادات، ظهرت صورة رجلين عاشا لرسالتهما، وخلّفا إرثًا يُلهم الأجيال.
رحم الله سالم الفراص وسعيد شمسان، وجعل أعمالهما نورًا يُضيء درب من يحملون القلم أو يمسكون الميكروفون من بعدهما.