اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

توكل كرمان وصناعة الوهم: عندما يُستغلّ الاحتجاج لتصدير الفوضى

 

النقابي الجنوبي/خاص

هل تُمنح جائزة نوبل للسلام لمن يُمجّد الحرق والتخريب؟
ومن يأذن لـ”ناشطة خارجية” بأن تُعلّم المغاربة كيف يثورون؟

النقابي الجنوبي/هشام صويلح

خطاب خارجي يتجاوز الواقع المغربي

في لحظة يرفع فيها شباب مغربي مطالب اجتماعية مشروعة بالتعليم والصحة والعدالة، تطلّ من عاصمة أجنبية ناشطة تحمل جائزة نوبل للسلام لتُعلِن بثقة مطلقة: “المجد للشعب المغربي الثائر”، و”المظاهرات تقترب من القصر”.

لكن الحقيقة المُرة تقول شيئًا آخر: ما وصفته توكل كرمان بـ”المجد” كان في الواقع سيارات محروقة، متاجر منهوبة، ورجال أمن جُرحوا.
فهل هذا هو السلام الذي تُكرَّم عليه؟ أم أنه غطاء أخلاقي لخطاب يزرع الفتنة باسم الحرية؟

من التضامن إلى التحريض

تصريحات كرمان في أكتوبر 2025 لم تكن دعمًا لحراك اجتماعي مغربي، بل محاولة ممنهجة لفرض سيناريو خارجي على واقع داخلي مختلف تمامًا عن تجارب اليمن أو سوريا أو مصر.

فبينما توجّه مجموعات مثل “جيل زد 212” مطالبها مباشرة إلى الملك محمد السادس وتدعو إلى إصلاحات في إطار الدستور، تسعى كرمان إلى تضخيم الحدث وتحويله إلى “ربيع” جديد في لغة استُهلكت حتى أتت على الأخضر واليابس في دول عربية أخرى.

خلفية أيديولوجية وليست إنسانية

خطاب كرمان يكشف أنه لا يصدر عن نزعة إنسانية بقدر ما يرتكز على خلفية أيديولوجية معلنة.
فهي، التي ارتبطت بتيار الإخوان المسلمين وحصلت على الجنسية التركية عام 2012، لم تكتفِ بتأييد كل حراك يُهدّد الدولة الوطنية، بل حوّلت نفسها إلى أداة دعائية تخدم أجندات إقليمية.

وفي اليمن، ساهمت — وفق شهادات عائلية وسياسية — في تفكيك النسيج الاجتماعي، حتى دعاها شقيقها علنًا إلى “التوبة”. واليوم، تنقل وصفات الفوضى إلى المغرب، وكأن الاستقرار جريمة يجب معاقبتها.

تناقض بين الجائزة والسلوك

الأكثر إثارة للدهشة هو التناقض بين الرمزية والسلوك.
فكيف لمن ترأس “هيئة عليا لمراقبة المحتوى” في فيسبوك أن تنشر فيديوهات عنف وتمجّدها؟
وكيف لحاملة جائزة نوبل للسلام — التي منحت لها عن “النضال اللاعنفي من أجل سلامة المرأة” — أن تصف أعمال الشغب بـ”المجد”؟

ردّ مغربي حاسم ومتعدد الأصوات

الموقف المغربي الرسمي والشعبي كان واضحًا في رفض خطاب التحريض، حيث تعددت الأصوات الرافضة:

الباحث المغربي عبده حقي تساءل بمرارة: “كيف يمكن لجائزة تُمنح لمن يزرع ثقافة الحوار أن تصبح غطاءً لمن يشرعن التخريب؟”

الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية مصطفى بنعلي وصفها بأنها “أداة وظيفية تُستخدم حينًا للتحريض وحينًا للابتزاز”.

هيئة المرأة العربية أعتبرت سلوكها “تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للمغرب”، وطالبت بسحب الجائزة منها.

فيما كشف الباحث المصري أحمد سلطان أن منحها الجائزة جاء “ضمن توجه غربي لصناعة نموذج نسائي”، لا تقديرًا لإنجاز حقيقي في مجال السلام.

وعي وطني يُحصّن المغرب

هذا الإجماع في الرفض لم يكن صدفة، بل يعكس وعيًا وطنيًا متقدّمًا.
المغاربة يدركون أن الاحتجاج حق مشروع، لكنه لا يبرر التخريب، وأن الإصلاح مسار داخلي لا يُملَى من الخارج.
وما يُغضب كرمان ليس غضب الشارع المغربي، بل قدرة الدولة على امتصاص الأزمات دون انهيار.

المغرب.. نموذج في التوازن والاستقرار

منذ عقود، نجح المغرب في تحقيق معادلة دقيقة بين الانفتاح السياسي والصلابة المؤسسية، ما يجعله نموذجًا فريدًا في محيط مضطرب.
وما يزعج المحرضين أن الشعب المغربي، الذي خبر الاستعمار وتجاوز تحديات التنمية، يُطالب بحقوقه داخل مؤسساته، لا عبر فوضى الشوارع أو الإملاءات الخارجية.

ذاكرة الاستضافة وردّ الجميل بالتحريض

المفارقة أن كرمان، التي تدّعي الدفاع عن الشعوب، لم تُبدِ أي تعاطف مع المآسي الإنسانية التي خلّفتها الحروب التي ساهمت في تأجيجها، بل اختارت أن تُوجّه طاقتها لاستهداف دولة لم تُقصِها، بل استضافتها باحترام في مؤتمرات دولية. ففي 2014، حلّت على متن طائرة فخمة إلى مراكش، حيث نالت كل التكريم، لتخرج اليوم لتُحرّض على أمنها. هذا السلوك لا يُفسّر إلا بانفصال تام عن القيم التي يفترض أن تمثّلها جائزة نوبل.

المجتمع المدني يردّ بالوعي لا بالفوضى

ردّ المجتمع المدني المغربي كان مسؤولًا؛ إذ دعا ناشطون وحقوقيون إلى عريضة وطنية تطالب لجنة نوبل بمراجعة قرار منح الجائزة لشخصية تبارك العنف وتمجّد الفوضى.
لكن المغاربة لم ينتظروا قرارات خارجية، فوعيهم الجمعي كفيل بتمييز حدود النقد من حدود الخيانة.

الاستقرار لا يعني غياب الاحتجاج

الاحتجاج في المغرب جزء من الدينامية الوطنية، لا دليل على الانهيار.
فالدولة تتعامل مع المطالب الاجتماعية بالحوار، ومع الفوضى بالحزم، في توازن نادر في العالم العربي.
وما حدث في طنجة والرباط والدار البيضاء لم يكن “ثورة”، بل تعبيرًا شبابيًا عن تطلعات مشروعه ضمن نظام سياسي قادر على الإصلاح.

وعي الشعوب أقوى من الوصاية

في النهاية، لم تجد دعوات كرمان صدى في الشارع المغربي، بل قوبلت بسخرية ورفض واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
آلاف الشباب أكدوا أن بلدهم لا يحتاج وصاية من أحد، وأنهم أدرى بمصالحهم وبكيفية التعبير عنها.

المجد في البناء لا في الحرق

الدرس الأهم الذي تكشفه هذه الأزمة هو أن الاستقرار ليس غياب الاحتجاج، بل وجود مؤسسات تستوعبه وتحوله إلى إصلاح.
والمغرب، بهذا التوازن، يظل نموذجًا عربيًا صامدًا أمام رياح التحريض.
فالمجد الحقيقي — كما يراه المغاربة — ليس في الحرق، بل في البناء.
وليس في التخريب، بل في الإصلاح.

زر الذهاب إلى الأعلى