جنوب ما بعد القرارات: أصوات متعددة ورؤية لمستقبل الشراكة

النقابي الجنوبي/هشام صويلح/خاص
هل تمثل قرارات الرئيس عيدروس الزُبيدي الأخيرة مجرد تغييرات إدارية؟ أم أنها إعلان عن مرحلة سياسية جديدة في الجنوب تعيد رسم قواعد الشراكة وتكشف موازين القوى؟ وكيف ينظر الشارع الجنوبي والنخب السياسية لهذه التحولات، وسط محاولات إقليمية ودولية لإعادة صياغة المشهد اليمني؟
القرارات كرسائل سياسية تتجاوز الطابع الإداري
يرى مراقبون وكتاب أن سلسلة القرارات التي أصدرها الرئيس الزُبيدي لم تكن مجرد تعيينات روتينية داخل مؤسسات الدولة، بل حملت في طياتها رسائل سياسية واضحة.
الكاتب وضاح قحطان الحريري اعتبر أن:
“هذه القرارات لا يمكن النظر إليها كمجرد تغييرات وظيفية أو إدارية، بل هي خطوة ذات دلالات سياسية كبيرة، تؤكد أن مرحلة جديدة قد بدأت بالفعل.”
ويضيف الحريري أن الخطوة تعكس رغبة في تجاوز مرحلة الجمود السابقة، وإعادة ترتيب البيت الجنوبي بما يعكس استقلالية القرار: “إن ما يقوم به الزبيدي هنا هو إعادة رسم قواعد اللعبة، وتأكيد أن الجنوب ليس في موقع المتلقي فقط، بل في موقع المبادر وصاحب القرار.”
التمكين الجنوبي
على المستوى الداخلي، برزت أصوات أكاديمية تعتبر القرارات نقلة نوعية في مسار بناء المؤسسات. الباحث السياسي د. عبدالرزاق عبدالله أحمد البكري شدد على أن: “هذه القرارات الشجاعة، لم تكن ارتجالية أو ظرفية، بل ثمرة حسابات دقيقة ورؤية استراتيجية متكاملة، تهدف إلى تمكين الكوادر الجنوبية من إدارة محافظاتهم بأنفسهم.”
ويذهب د. علي البحر، نائب رئيس هيئة الفكر والإرشاد بالمجلس الانتقالي، إلى أن: “حزمة القرارات تعكس توجهاً واضحاً نحو تمكين الكوادر الجنوبية وتعزيز حضورها داخل مؤسسات الدولة، وتمثل خطوة مهمة في بناء هياكل مؤسسية جنوبية قادرة على إدارة شؤون الجنوب.”
أما د. عبدالفتاح فريد ناشر السقلدي، فقد اعتبرها بمثابة رد اعتبار للكوادر التي تعرضت للإقصاء: “إن ما نشهده اليوم من قرارات حاسمة وشجاعة يتخذها فخامة الرئيس الزُبيدي، يمثل في جوهره تجسيدًا حقيقيًا لما ناضلنا من أجله طوال سنوات، ويعيد الاعتبار لكل الكوادر التي أُقصيت ظلمًا.”
رد على عبث الشرعية وممارساتها الإقصائية
جاءت هذه القرارات بعد سنوات من العبث الذي مارسته ما تُسمى بالشرعية اليمنية في كل ما يتعلق بالجنوب، أرضًا وإنسانًا، عبر ممارسات إقصائية وتمكين قوى أخرى على حساب أبناء الجنوب، وعرقلة تنفيذ الاتفاقيات السياسية المتفق عليها.
الكاتب خليل السفياني وجّه نقدًا لاذعًا قائلاً: “رشاد العليمي أصدر تعيينات لأكثر من 400 دون الرجوع لأعضاء مجلس القيادة، بينما تم استدعاء من كانوا مع الحوثي في الخارجية وتمكينهم في السفارات، واستُثني الجنوبيون.”
ويتابع السفياني: “يحق للرئيس عيدروس أن يحسم ويوقف المهزلة لطالما والانتقالي شريك بأرضه وليس ضيفًا مثلهم.”
أما صالح أبو عوذل، رئيس مركز دراسات، فرأى أن ما حدث ليس مجرد مناورة سياسية، بل استجابة عميقة للشارع: “خطوة المجلس الانتقالي الأخيرة يمكن قراءتها بوصفها استجابة لتطلعات شعبية عريضة، وليست مجرد موقف سياسي تكتيكي.”
موقف المجلس الانتقالي والشارع الجنوبي
في البيان الرسمي للمجلس الانتقالي الجنوبي، جاء تأكيد على أن هذه القرارات لا تنفصل عن الدفاع عن الحقوق السياسية للشعب الجنوبي: “الأرض أرض شعب الجنوب، والقرار قراره، ولن تثنينا أي محاولات لتجويع شعبنا أو كسر إرادته.”
كما شدد البيان على مبدأ العدالة في الشراكة: “الشراكة الحقيقية لا تقوم على التجاهل أو الإقصاء، بل على العدالة والالتزام الكامل بالحقوق غير القابلة للتجزئة أو التأخير.”
خيارات المرحلة المقبلة
فيما تتسارع ردود الفعل، برزت نبرة حاسمة من داخل المجلس الانتقالي نفسه. القيادي أنيس الشرفي أوضح أن: “إعلان الطوارئ خيار مطروح إذا لم تُنفذ قرارات الرئيس الزُبيدي.”
هذا التصريح يكشف أن الانتقالي يضع سقفًا عاليًا لتطبيق القرارات، ويربطها بخيارات تصعيدية إذا واجهت عراقيل أو تعطيل متعمد.
بين التمكين والمواجهة – الجنوب يرسم مساره
تشير مجمل المواقف والتصريحات إلى أن الجنوب يقف عند مفترق طرق حاسم. قرارات الرئيس الزُبيدي أعادت الثقة للشارع الجنوبي، ومثلت خطوة استراتيجية لبناء مؤسسات قوية قادرة على إدارة شؤونها بعيدًا عن الوصاية أو الانتظار.
لكنها في الوقت نفسه وضعت القوى المناوئة أمام تحدٍ مباشر: إما الاعتراف بالحقوق الجنوبية والشراكة الحقيقية، أو مواجهة واقع جديد يصعب تجاوزه. وفي ظل تهديدات بفرض الطوارئ، ومع التأكيد على أن “الأرض أرض الجنوب والقرار قراره”، يبدو أن المرحلة المقبلة لن تكون مجرد اختبار للقرارات، بل اختبار لمدى استعداد الأطراف كافة للتعايش مع حقائق سياسية جديدة ترسمها هذه الخطوات الجريئة.