اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

هوامير العملة.. كيف نهبوا مدخرات المواطنين في الجنوب بلا رقيب

النقابي الجنوبي/خاص/هشام صويلح

من يقف وراء التلاعب بأسعار الصرف في الجنوب؟ ولماذا تحولت السوق المالية إلى ساحة للاحتيال؟ وأين موقع المواطن البسيط وسط هذه الدوامة التي يتحكم بخيوطها هوامير العملة تحت غطاء بيانات مزيفة؟

لعبة الوهم والنهب

الأزمة الاقتصادية لم تعد طارئة على حياة الجنوبيين، فهي ترافقهم منذ أعوام طويلة وتثقل تفاصيل معيشتهم اليومية. تقلبات العملة صارت أشبه بمقامرة مكشوفة، تبتلع مدخرات الأسر وتدفعها نحو الخسارة. الكاتب وضاح قحطان الحريري وصف ما يحدث بأنه “نهب منظم لأموال المواطنين، لعب فيه الوهم والدعاية دوراً أساسياً”، مؤكداً أن الفجوات الكبيرة في أسعار الصرف “لم تكن نتيجة طبيعية لحركة السوق، بل عملية متعمدة لابتلاع ما في جيوب الناس”.

خلال الأيام الماضية، شهدت السوق انهياراً كبيراً للعملات الأجنبية بعد أن اندفع المواطنون لبيع ما بحوزتهم إثر إشاعة هبوط الدولار والريال السعودي. ملايين الدولارات جرى جمعها بهذه الطريقة، ثم توقف الصرافون عن البيع واحتكروا السوق، لتظهر خسائر موجعة لا علاقة لها بمنطق اقتصادي.

بيانات مزورة وتواطؤ خطير

الأدهى أن هذه المضاربات تمت تحت ستار بيانات منسوبة إلى البنك المركزي، استُخدمت كأداة تضليل واسعة. الحريري اعتبرها “لعبة قذرة تنتهجها أطراف حزبية داخل الشرعية في عدن، تخدم مصالحها الضيقة وتغذي الفوضى، فيما يستفيد الحوثي من تآكل الثقة بالمؤسسات”.

لكن البنك المركزي نفى رسمياً صحة تلك المنشورات، مؤكداً أنها مزورة. الأمر يفتح الباب على سؤال ملح: من الذي يملك مصلحة في صناعة بيانات بهذه الصيغة ونسبها للبنك؟ أصابع الاتهام تتجه نحو شبكات الصرافين المتحكمين بالسوق.
التزوير هنا لم يكن مجرد إشاعة عابرة، بل عملية مقصودة استُخدمت فيها أوراق رسمية لخداع الناس وتضليلهم.

الإعلام بين الخطأ والتضليل

العبث لم يقتصر على الصرافين وحدهم، فقد ساهمت بعض الأقلام الإعلامية في تضليل الناس. المحامي محمد المسوري حمّل الصحفي فتحي بن لزرق مسؤولية “أخطاء انعكست سلباً على المجتمع، ومنحت الصرافين مكاسب غير مشروعة”، موضحاً أن تحذيراته – قبل أيام من الحادثة – من هبوط مرتقب للعملة دفعت المواطنين إلى بيع ما يملكون بأسعار منخفضة، فيما استغل الصرافون الموقف لتحقيق أرباح مضاعفة.

الصحفي ياسر الأعسم وصف ما جرى بأنه “مسمار في نعش أموال الناس البسطاء”، معتبراً أن ما نُشر أشبه بطُعم أُلقي للناس حتى يبتلعوه. وانتقد غياب الاعتذار أو التوضيح ممن روجوا تلك الأخبار، مؤكداً أنهم “شركاء فيما حدث من احتيال، وكانوا جزءاً من معاناة الشعب”.

المواطن الضحية

النتيجة النهائية أن المواطن الجنوبي ظل الخاسر الأكبر. الحريري شدد على أن ما يحدث “ليس مجرد مضاربة، بل عملية متكاملة لتجريف الاقتصاد”، حيث تضاعفت ثروات قلة من المضاربين فيما جرى استنزاف مدخرات آلاف الأسر. ويحذر من أن استمرار هذا العبث دون رقابة حقيقية يعني أن “أموال الجنوبيين ستظل هدفاً سهلاً، وأن الاقتصاد لن يعرف طريق التعافي”.

السيطرة على هوامير العملة ضرورة عاجلة

الأزمة لم تعد مجرد قضية نقدية، بل أصبحت تهدد مباشرة لقمة عيش المواطنين واستقرار المجتمع بأسره في الجنوب. مواجهة هذه العصابة المالية تتطلب خطوات سريعة وجريئة لفرض رقابة شفافة على سوق الصرف، وإيقاف التلاعب الذي يمس حياة الناس اليومية. فالتواطؤ الرسمي والصمت الإعلامي لم يعد مقبولاً، والمواطن لم يعد يملك سوى فتات يترنح بين الغلاء والفقر، فيما يواصل هوامير العملة عبثهم دون حسيب أو رقيب.

زر الذهاب إلى الأعلى