«مجاعة بفعل الإنسان».. غزة تُجوع بينما العالم يتفرج

النقابي الجنوبي/ خاص
لماذا يعتبر المجتمع الدولي المجاعة في غزة “أزمة من صنع البشر”؟
كيف يصبح التجويع سلاحًا حربياً محظورًا قانونيًا؟
ما دور الولايات المتحدة في استمرار مأساة المدنيين؟
كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يوقف الانتهاكات الإسرائيلية ويحاسب مرتكبيها؟
تقرير/ هشام صويلح
المجاعة المفتعلة: الأزمة الإنسانية في قلب غزة
في خطوة تكشف عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، أعلن 14 عضوًا في مجلس الأمن الدولي، الأربعاء 27 أغسطس 2025م، أن المجاعة المتفاقمة في القطاع ليست ظرفًا طبيعيًا، بل “أزمة من صنع البشر”، مؤكدين أن استخدام التجويع كسلاح حرب محظور بموجب القانون الدولي الإنساني. هذا التوصيف الأممي الصريح لا يكتفي بالتحذير الإنساني، بل يحمل أبعادًا قانونية واضحة، ويضع المسؤولية المباشرة على عاتق الاحتلال الإسرائيلي.
لكن هذه التحذيرات لا تجد صدى فعليًا على الأرض، إذ تصطدم بعناد إسرائيل المستمر وغطاء الفيتو الأمريكي الذي يحول دون أي قرار ملزم يوقف المجازر ويكسر الحصار، مما يجعل المدنيين رهائن داخل قطاع محاصر من قبل القوة المحتلة.
واشنطن.. شريك أم مراقب؟
الموقف الأمريكي جاء ليؤكد ازدواجية خطاب واشنطن في ملف حقوق الإنسان؛ فهي تتغنى بالمبادئ الإنسانية لكنها في غزة تصطف إلى جانب الجلاد، مبررةً جرائم الاحتلال بذريعة “حق الدفاع عن النفس”. بهذا الموقف، لم تعد الولايات المتحدة مجرّد داعم سياسي وعسكري لإسرائيل، بل أصبحت شريكًا مباشرًا في الجريمة، يمنح غطاءً لمجازر تتكشف يومًا بعد آخر على شاشات العالم.
هذا الغياب للضغط الأمريكي، رغم صدور البيان الأممي المشترك، يعكس قدرة واشنطن على حماية إسرائيل من المساءلة القانونية الدولية، ويضع المجتمع الدولي في مواجهة سؤال حقيقي: هل سيبقى الصمت شريكًا في المجاعة؟
المجتمع الدولي في مواجهة الاحتلال
التوصيف الأممي للمجاعة باعتبارها أزمة مفتعلة يفتح الباب أمام تحركات قضائية دولية ويزيد من عزلة إسرائيل سياسيًا وأخلاقيًا، في وقت تتنامى فيه الأصوات المطالبة بمحاسبة قادتها. البيان الأممي دعا إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن، ورفع القيود الإسرائيلية المفروضة على المساعدات الإنسانية، مع ضرورة زيادة تدفق الإغاثة بشكل عاجل.
إلا أن هذه الدعوات، رغم أهميتها، تبقى نظرية ما لم يصاحبها ضغط دولي حقيقي يضمن التنفيذ على الأرض. المحللون القانونيون يشددون على أن استمرار التجويع كسلاح حرب يمثل جريمة يمكن أن ترقى إلى الإبادة الجماعية، ومن هنا تأتي أهمية توثيق الانتهاكات لضمان مساءلة الجناة أمام المحاكم الدولية.
الضحايا في مواجهة الموت البطيء
رغم البيان الأممي والتحذيرات القانونية، يبقى الواقع في غزة أشد قسوة. ملايين المدنيين يواجهون الموت البطيء جوعًا ومرضًا، فيما تُحاصرهم إسرائيل بالحديد والنار، وتمنع عنهم الدواء والغذاء والماء. الأطفال يعانون من سوء التغذية المزمن، والمستشفيات عاجزة عن توفير الخدمات الطبية الأساسية. الأمهات يبحثن يوميًا عن لقمة خبز تنقذ أبناءهن، في مشهد إنساني مأساوي يعكس طبيعة الأزمة المفتعلة.
هذه المأساة المتعمدة لا يمكن للعالم أن يتجاهلها دون أن يكون شريكًا في الجريمة بالصمت أو بالتواطؤ. كل ساعة تأخير في إيصال المساعدات الإنسانية تعني حياة أو موت مزيد من المدنيين، وهو اختبار حقيقي للضمير الدولي.
نداء عالمي لإنقاذ غزة
من هذا المنطلق، يدعو المراقبون والمحللون السياسيون إلى ضرورة دمج الضغط الدولي السياسي والقانوني مع الدعم الإنساني العاجل، لضمان كسر الحصار ووقف التجويع كسلاح حرب. الوعي العالمي اليوم ليس خيارًا، بل ضرورة لإنقاذ المدنيين وفرض القانون الدولي.
على المجتمع الدولي أن يتحرك سريعًا، فالسكوت والمماطلة يعادلان المشاركة في الجريمة، ويزيدان من حجم المعاناة اليومية لسكان غزة.
غزة على المحك
قطاع غزة يقف اليوم على مفترق طرق بين الموت البطيء والنجاة الإنسانية. البيانات الأممية والتحليلات القانونية والرصد الميداني تدق ناقوس الخطر، لكن الحل الفعلي يحتاج إلى إرادة سياسية دولية جادة. غزة ليست مجرد رقعة على الخريطة، بل قضية إنسانية، وقانونية، وأخلاقية تتطلب تحركًا عاجلًا، قبل فوات الأوان.
