اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
مقالات الراي الجنوبي

ناصر العولقي يقرا: وراء الكواليس السياسية في شبوة.. لماذا ألقى الوكيل البيان وليس المحافظ؟

ناصر العولقي يقرا: وراء الكواليس السياسية في شبوة.. لماذا ألقى الوكيل البيان وليس المحافظ؟

ناصر علي العولقي

مع إصدار السلطة المحلية في شبوة بيانها التاريخي الداعم لاستعادة دولة الجنوب العربي، برز تساؤل لافت في الأوساط السياسية والإعلامية: لماذا كُلِّف وكيل المحافظة أحمد صالح الدغاري بإلقاء البيان، وليس المحافظ عوض بن الوزير شخصياً؟ قد يبدو هذا التساؤل هامشياً للبعض، لكنه في الحقيقة يحمل دلالات عميقة في فن إدارة القرار السياسي الجماعي.

إن هذا التكتيك – الذي قد يُفسره البعض على أنه تحفظ – يمثل في جوهره ممارسة سياسية محكمة تعكس “دهاء التفويض المؤسسي”. فبإسناد مهمة الإعلان إلى الوكيل، تنتقل الرسالة من حيز “الرأي الشخصي” للمحافظ إلى حيز “الإرادة المؤسسية” للسلطة المحلية بكامل مكوناتها المدنية والعسكرية. هذا التحول لا يضعف الموقف، بل يمنحه حصانة جماعية ويحوّله من تصريح فردي إلى قرار مؤسسي ملزم.

لقد حافظ المحافظ بن الوزير، عبر هذا الأسلوب، على موقعه كـ”راعٍ للتوافق” و”ضامن للوحدة”، ممنحاً إيّاه مرونة دبلوماسية في التعامل مع التعقيدات الإقليمية والدولية، دون أن يُضعف ذلك من حزم الموقف. ففي الأعراف السياسية الرصينة، حضور القائد وتوقيعه يبقى الختم النهائي، بينما يصبح صوت القارئ مجرد أداة تنفيذية لإرادة جماعية أوسع.

أما في المضمون، فقد جاء البيان ليشخّص بواقعية مأساوية حصاد عقد من الانقلاب الحوثي والصمت الشمالي، الذي أدى عملياً إلى “سقوط الدولة” وفقدانها شرعيتها التمثيلية. ومن هذا التشخيص الصارم، استمد البيان شرعيته في التحول من الدعوة العاطفية إلى المطالبة بالاستحقاق التاريخي. فلم تعد استعادة الدولة مجرد شعار، بل أصبحت ضرورة وجودية تفرضها وقائع الأرض وحقوق الشعوب.

إن تأييد شبوة الصريح للمجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي، لم يكن مجرد بيان ولاء، بل كان اعترافاً مؤسسياً بأن هذا المسار هو التمثيل الشرعي لإرادة الجنوب، والضامن الوحيد لبناء دولة تقوم على أسس العدالة والمساواة والتعددية. هذه الرسالة تستمد قوتها من “واحدية المصير” التي تجسّدت في مباركة الانتصارات الشرقية، مؤكدة أن شبوة ليست جزيرة منعزلة، بل هي حلقة في سلسلة النسيج الجنوبي المتكامل.

ختاماً، ما شهده مجلس شبوة كان نموذجاً للعمل السياسي المؤسسي: من “صوت الدغاري” المُفوَّض، إلى “رئاسة بن الوزير” الحاضنة، وصولاً إلى “توقيع الكل” الضامن. إنها مرحلة الانتقال من الخطاب العاطفي إلى الفعل المؤسسي، برسالة واضحة للداخل والخارج: إرادة الجنوب لم تعد مجرد مشاعر شعبية، بل إدارة جماعية رصينة، والسيادة لا تُنتزع بالصيحات فقط، بل بالحكمة المؤسسية والعمل الجماعي المنظم.

ناصر علي العولقي
24 ديسمبر 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى