ملف الأسرى… هل عاد كورقة سياسية لإجهاض استعادة الجنوب؟

كتب/محمد الديني
في توقيت بالغ الحساسية، عاد ملف الأسرى إلى الواجهة اليمنية من أوسع أبوابه، لكن عودته هذه المرة لا تبدو إنسانية خالصة، بقدر ما تحمل في طياتها أبعادًا سياسية معقدة ورسائل تتجاوز قضية المعتقلين نفسها.
محمد قحطان، القيادي الإخواني المحتجز لدى جماعة الحوثي، لم يكن مجرد اسم أُعيد تداوله فجأة، بل كان مفتاحًا لتحريك ملف ظل مجمّدًا لسنوات. رشاد العليمي، وفي هذا التوقيت تحديدًا، يضغط باتجاه تحريك الملف ويرسل وفدًا للتفاوض مع الحوثيين في مسقط، في خطوة تثير أكثر من علامة استفهام حول دوافعها الحقيقية.
بالتوازي، تتحرك المملكة العربية السعودية على الخط ذاته، لكن لأسباب تبدو أكثر وضوحًا: إطلاق سراح طياريها المحتجزين لدى الحوثيين، وإعادة إحياء ملف “خارطة الطريق” التي كان بندها الأول قائمًا على مبدأ “الكل مقابل الكل” في ملف الأسرى، تمهيدًا لتنفيذ بقية البنود السياسية والأمنية.
حتى هنا قد يبدو المشهد طبيعيًا، لولا أن كل ذلك يتزامن مع حراك جنوبي متصاعد، يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي، وتدعمه إرادة شعبية واضحة تطالب باستعادة الدولة الجنوبية والاستقلال. هنا يتحول التوقيت من مجرد صدفة سياسية إلى موضع شك مشروع.
السؤال الذي يفرض نفسه:
هل جاءت تحركات الإخوان ورشاد العليمي لإعادة فتح ملف الأسرى في هذا التوقيت تحديدًا بهدف قطع الطريق أمام الجنوبيين، وتشتيت الزخم السياسي والشعبي لقضية استعادة الدولة؟
الأكثر إثارة للريبة هو قبول الحوثيين الجلوس إلى طاولة الحوار، وإبداء التزام غير مسبوق بهذا الملف، وصولًا إلى الاعتراف رسميًا بوجود معتقلين كانوا ينكرون احتجازهم طوال السنوات الماضية، وعلى رأسهم محمد قحطان. هذا التحول المفاجئ في موقف الحوثيين لا يمكن فصله عن حسابات سياسية أعمق.
فهل قبل الحوثيون بذلك تمهيدًا لتوحيد الجهود مع جماعة الإخوان، والدخول معهم في تنفيذ خارطة الطريق، بما يؤدي عمليًا إلى إعادة إنتاج مشهد الشراكة السياسية على حساب الجنوب وقضيته؟
ومن زاوية أخرى، يبرز تساؤل لا يقل أهمية:
هل تسعى المملكة العربية السعودية من خلال تحريك هذا الملف الآن إلى طي صفحة المكونات اليمنية، وخصوصًا الشمالية، التي استنزفتها سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، عبر إدخالها في اتفاق شامل مع الحوثيين يُنهي هذا “الكابوس” الطويل، حتى وإن كان ذلك على حساب معادلات جديدة في الجنوب؟
كل هذه المؤشرات تقود إلى سؤال أخطر:
هل نحن أمام سيناريو جديد لتحالفات سياسية غير معلنة، تُصاغ في الغرف المغلقة، هدفها النهائي إعادة ترتيب المشهد اليمني بطريقة تُقصي الجنوب، أو تؤجل استحقاقه السياسي، أو تفرغه من مضمونه؟
ما يجري اليوم لا يمكن قراءته بمعزل عن حركة الشارع الجنوبي، ولا عن التحولات الإقليمية، ولا عن محاولات بعض القوى القفز على اللحظة التاريخية التي يعيشها الجنوب. لذلك، فإن التعامل مع ملف الأسرى كقضية إنسانية فقط، دون قراءة أبعاده السياسية، قد يكون تبسيطًا مخلاً لمشهد بالغ التعقيد.
الجنوب اليوم ليس خارج المعادلة، وأي محاولات لإعادة رسم الخارطة السياسية دون أخذه في الحسبان، لن تنتج سلامًا، بل تؤسس لجولة جديدة من الصراع… بأدوات مختلفة، وتحالفات قديمة بثوب جديد.
محمد الديني