عهامة.. حينما تصنع الشهامةُ نصراً للسلام والتلاحم الجنوبي

فؤاد المقرعي
في زمنٍ تشتد فيه الأزمات وتتعاظم التحديات، تبرز من قلب “لحج” الأبية وتحديداً من منطقة “عهامة” بمديرية المسيمير، بارقة أمل تعيد صياغة المشهد القبلي والاجتماعي بروح من التسامح والعلوّ. لم يكن صباح اليوم الخميس يوماً عادياً، بل كان يوماً للتاريخ، سُجلت فيه بمداد من نور واقعة صلح قبلي .
حينما وقف الشيخ صالح قائد أحمد الشيبي ليعلن العفو العام والتنازل المطلق عن دم ولده الشهيد بشير صالح الشيبي، لم يكن يعلن مجرد نهاية قضية قتل، بل كان يضع حجر الأساس لمرحلة جديدة من التلاحم. إن عفو “آل الشيبي” عن قاتل ابنه الذي ينتمي لقبيلة “آل الجبري” -دون قيد أو شرط أو مقابل مادي- هو رسالة أخلاقية مدوية، تؤكد أن الدم الجنوبي غالٍ، وأن قيمة الصلح أسمى من لغة الثأر، خاصة حينما يكون الدافع هو مرضاة الله وتعزيز النسيج الاجتماعي.
خلف هذا الإنجاز الكبير، كانت هناك عقول حكيمة أدركت مبكراً أن وحدة الصف تبدأ من إغلاق ثغرات النزاعات الداخلية. فكان لتحرك وكيل محافظة الضالع وشيخ مشايخ الأزارق، الشيخ محمود عواس، الأثر البالغ في هندسة هذا الصلح. هذا التحرك الذي ضمه مع كوكبة من مشايخ ووجهاء بلاد الأحمدي يبرهن أن الحدود الإدارية لا تقف عائقاً أمام الروابط القبلية المتينة، وأن وجع “عهامة” هو ذاته وجع “الأزارق”.
لم يكن الصلح شأناً قبلياً صرفاً، بل حظي بمباركة وحضور قيادات عسكرية وأمنية، تمثلت في قائد الحزام الأمني بالمسيمير محمد علي، وهو ما يعكس التكامل بين السلطات الأمنية والقبلية في الحفاظ على السلم الأهلي. إن حضور هذه القيادات يضفي صبغة رسمية على هذه المبادرات ويجعل من “الصلح القبلي” ركيزة أساسية للأمن
إن ما حدث في “عهامة” يمثل صفعة قوية لكل المراهنين على تمزيق النسيج الاجتماعي الجنوبي وإحياء ثارات الجاهلية. فالتلاحم الذي أبداه مشايخ الضالع ولحج في هذا الموقف البطولي، أثبتت قبائل “آل الشيبي” و”آل الجبري” أن وعي الإنسان الجنوبي اليوم أرفع من أن ينجر وراء النزاعات العبثية.
ستظل منطقة “عهامة” وذكرى هذا اليوم محفورة في الذاكرة الجميع، كنموذج يحتذى به في التضحية والتعايش. وبمثل هذه المواقف، تُبنى الأوطان وتُحقن الدماء، ويُثبت الجنوبيون للعالم أجمع أنهم شعبٌ يتنفس السلام، حتى وهو في أصعب ظروف الحرب. شكراً لآل الشيبي، وشكراً لكل يدٍ سعت وبذلت ليكون السلام هو الكلمة العليا