الجنوب.. مشروع دولة لا يقهره خوف الشماليين

كتب / رائد عفيف
لم يكن تصريح وزير الخارجية الأسبق الأستاذ خالد اليماني مجرد موقف عابر، بل جاء كخارطة طريق واضحة لمستقبل الجنوب. حين قال: “تقع على عاتق كل الجنوبيين الاصطفاف خلف الانتقالي للمضي نحو بناء دولة ديمقراطية اتحادية مستقلة، مزدهرة، تنبذ العنف وترفض الإرهاب، وتكون شريكاً موثوقاً لدول الخليج والعالم الحر، وركناً أساسياً للاستقرار الإقليمي، وعاملاً داعماً للتكامل مع شمال اليمن مستقبلاً”، فقد وضع الجنوب أمام رؤية سياسية متكاملة، تعكس طموح شعبه وتطلعاته نحو دولة حديثة مستقلة وفاعلة.
لكن هذا التصريح لم يمر مرور الكرام، بل واجه حملة شعواء وحملة تشويه منظمة بحق الوزير الأسبق خالد اليماني، وكأن مجرد دعوته الجنوبيين للاصطفاف خلف مشروع دولتهم المستقلة جريمة تستحق العقاب. هذه الحملة تكشف حجم القلق الذي يسيطر على القيادات الشمالية من مختلف الأحزاب، إذ يعتبرون أن أي صوت جنوبي يطالب بفك الارتباط يشكل تهديدًا مباشرًا لمصالحهم، بينما يتجاهلون بطش الحوثي وتفجيراته وانتهاكاته اليومية.
في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا فيسبوك، يتجلى هذا الموقف بوضوح. فما إن يكتب جنوبي رأيًا ناقدًا للوحدة، حتى تنهال عليه التعليقات المتعصبة من شماليين يبدون حرصًا مبالغًا فيه على بقاء الجنوب تحت مظلة الوحدة، وكأنهم أوصياء على مستقبل لا يخصهم. بل إن هذا الحرص يتجاوز أحيانًا حرص أبناء الجنوب أنفسهم، في صورة تكشف عن عقلية استحواذية لا ترى في الجنوب إلا أرضًا يجب أن تبقى تحت السيطرة، لا شعبًا له الحق في تقرير مصيره.
إن هذه العقلية لا تزيد القضية إلا تعقيدًا، وتجعل خيار الاستقلال أكثر رسوخًا في وجدان الجنوبيين، الذين يرون أن رفض الآخر لحقهم المشروع ليس سوى دليل إضافي على ضرورة التحرر. الجنوب اليوم لا يطرح مشروعًا انعزاليًا، بل رؤية لدولة ديمقراطية مستقلة، شريك موثوق لجيرانه، وركيزة للاستقرار الإقليمي. تجاهل هذه الحقيقة لن يغير من الواقع شيئًا، بل سيجعل صوت الجنوب أكثر قوة وإصرارًا.
ختامًا
الجنوب ماضٍ في طريقه نحو مشروع الدولة المستقلة، مهما ارتفعت أصوات التشويه ومهما ارتجف خصومه. فإرادة الشعوب لا تُقهر، وصوت الجنوب اليوم أقوى من كل محاولات الإقصاء، وأشد رسوخًا من كل حملات التشويه. إنها معركة وعي وحق، والجنوب فيها ثابت الخطى، واثق من مستقبله، ومصمم على أن يكون مشروع دولته حقيقة لا يمكن إنكارها.