اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

د. فيروز الوالي تكتب “اليمن الغائب الحاضر: شرعية الفنادق خارج قائمة المدعوين”

 

د. فيروز الوالي

بينما كانت الرياض تفتح أبوابها لقادة العالم في مؤتمر “مستقبل الاستثمار”، وتستعرض مشاريع الغد من الذكاء الاصطناعي إلى المدن الذكية، غابت اليمن.

غابت دولة، قيادتها تقيم في الرياض، عن مؤتمر يقام في الرياض، في مشهدٍ يُدرَّس في فن المفارقات السياسية والعبث البروتوكولي.

الكرسي الفارغ في الصف الأمامي

لم يكن السؤال: من حضر؟ بل: لماذا لم يُدعَ اليمنيون؟
الرئيس السوري حضر، والأمراء، والوزراء، ورؤساء الحكومات، وحتى ممثلو الدول التي لا تمتلك نفطًا ولا حدودًا مشتركة مع المملكة.

أما اليمن، التي تتنفس على باب الجار، فلم تجد حتى بطاقة مرور إلى القاعة الرئيسية.

يبدو أن الإقامة في الرياض لا تمنح حق الحضور، وأن الشرعية اليمنية باتت “نزيلاً طويل الأمد” أكثر من كونها شريكًا في القرار.
فمن اعتاد “غرف الاجتماعات المغلقة” نسي أن السياسة تُدار في القاعات المفتوحة.

الاقتصاد في غرفة الانتظار

في الوقت الذي كان ولي العهد السعودي يعلن عن استثمارات بالمليارات في قطاعات المستقبل، كان الفريق الاقتصادي اليمني في الرياض يتناقش حول بدل السفر والضيافة.

الفرق بين “مستقبل الاستثمار” و”واقع اليمن” كالفرق بين مدينة نيوم ومدينة تعز: الأولى تزرع الروبوتات، والثانية تبحث عن وقود للمولد.

اليمن الغني بالثروات، الفقير في الإدارة، يقف اليوم خارج منظومة الاقتصاد العالمي، وخارج حتى قوائم الدعوات.
كأنها دولة “مؤجلة إلى إشعار آخر”، تنتظر استثمارًا في الذاكرة أكثر من الميدان.

التحليل النفسي: عقدة الوصاية والاستئذان

من الناحية النفسية، يعيش قادة المجلس الرئاسي حالة تعوّد على التبعية، أشبه بما يسميه علم النفس السياسي “الاستعمار الذاتي”.
لا يقررون حضور مؤتمر إلا بعد موافقة منسق أو مستشار.
لا يصدرون بيانًا إلا بعد مراجعة “التوجه العام”.

أصبحوا كما يقول المثل الشعبي: “يجلسون في البيت، وينتظرون من يدق الباب”.

بل حتى حين يُسألون عن ملفات اليمن، يُجيبون بعبارات جاهزة محفوظة مثل: “نحن مع الأشقاء في التحالف لاستعادة الدولة”.
لكن أي دولة؟ وأي استعادة؟ وهم لم يستعيدوا حتى كرامة الدعوة إلى مؤتمر!

الغياب العسكري: بنادق بلا قرار

في الجبهات، الجنود يقاتلون منذ سنوات، بلا رؤية سياسية ولا دعم لوجستي مستقر.
أما القادة، فيخوضون معركة البقاء في قوائم الصرف أكثر من معارك الميدان.

غياب اليمن عن مؤتمر الاستثمار هو امتداد لغياب القرار العسكري والسياسي، حيث لا جيش موحد ولا إرادة سيادية.

في لغة الجيوسياسة، الغياب أحيانًا رسالة، ورسالة الرياض هذه المرة واضحة:
من لا يملك قراره، لا يستحق مقعده.

البروتوكول لا يرحم الغائبين

في عالم البروتوكول الدولي، الدعوة ليست مجاملة بل اعتراف سياسي بمكانتك.
حين لا تُدعَى، فهذا يعني أن وجودك لا يضيف قيمة للمشهد.
وغياب مجلس القيادة اليمني عن مؤتمر “مستقبل الاستثمار” يعكس بدقة موقع الشرعية في ميزان النفوذ:
“حاضرة بالجغرافيا، غائبة بالشرعية”.

ولأن البروتوكول لا يحب “المتسولين السياسيين”، اكتفى المنظمون بتمثيل دول تمتلك مشاريع، لا ملفات صرف ومذكرات شكر.

البعد الاجتماعي والثقافي: من الحضور الرمزي إلى الغياب المعتاد

المجتمع اليمني، الذي لطالما احتفل بأي ظهور رسمي، بات اليوم لا يتفاجأ بالغياب.

صار الغياب طقسًا وطنيًا، مثل انقطاع الكهرباء أو انعدام المرتبات.
حتى النخب باتت تبرر هذا الغياب بأنه “إجراء سيادي مؤقت”، وكأن السيادة أصبحت إجازة بدون راتب.

أما المواطن البسيط، فقد اختزل المشهد بعبارة موجعة:
“حكومتنا ساكنة في الرياض… ومش مدعوة!”

خاتمة: الحاضرون الغائبون عن وطنهم

غياب الشرعية اليمنية عن مؤتمر “مستقبل الاستثمار” ليس مجرد تفصيل بروتوكولي، بل مرآة لمستقبلها السياسي والاقتصادي.
دولة بلا تمثيل، قيادة بلا قرار، وشعب بلا صوت.
وإن كان ولي العهد السعودي قد استقبل دونالد ترامب الابن وولي عهد سوريا، فربما أراد أن يرسل رسالة ناعمة بصوت مرتفع:
“نحن نصنع المستقبل مع من يصنع نفسه… لا مع من ينتظر مكرمة حضور”.
ويبقى السؤال الأخير المؤلم:
هل غابت اليمن عن المؤتمر، أم غاب المؤتمر عن اليمن؟
ربما كلاهما، فـ اليمن اليوم تحضر العالم من الفندق، والعالم يحضر المستقبل من المنصة.

المراجع والمصادر:
1. تقارير مبادرة مستقبل الاستثمار (FII Institute Reports – Riyadh, 2025).
2. بيانات مجلس القيادة الرئاسي اليمني – الموقع الرسمي للحكومة اليمنية.
3. البنك الدولي – تقرير “اليمن والاقتصاد المنهار” (2024-2025).
4. معهد الشرق الأوسط للدراسات – “اليمن بين التبعية والسيادة المفقودة” (2024).
5. هيومن رايتس ووتش – تقرير “اليمن: دولة بلا تمثيل فعلي” (2025).

زر الذهاب إلى الأعلى