اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

قصة قصيرة بعنوان “ورقة صفراء” للقاصة الجنوبية سحر عبداللاه

سحر عبداللاه صالح مثنى

لم يكن الأمر سهلاً عليها بعد أن أصبحت حالتها حرجة، فلم يرحمها الألم وأصبحت روحها تتعذب حتى قررت أن أنقذها من معاناتها وأتبرع لها بإحدى كليتي لتنجو من تلك الأوجاع التي تكاد تطفئها. أجريت الفحوصات وشكرت الله كثيرًا أنها تطابقت مع أنسجتها، وهكذا لن تضطر لعمل غسيل الكلى.
عندئذ، وبينما كنا ننهي بقية المعاملات استعدادًا لإجراء العملية في المستشفى، صادفت زوجة أبي وأختي من الأب، فأمعنتا النظر إلي حتى تعرفا عليّ، ومباشرة اقتربت مني وقالت: هذه أنتِ.. ديمة!
وقتئذٍ ارتمت أختي بين أحضاني وهي تذرف الدموع وتردد قائلة: “والدنا في خطر”. دفعتها إلى الأمام وسألتها:
– ما الذي تقصدينه؟
– أصيب والدنا بفشل كلوي ولم يعد الغسيل يجدي نفعًا معه، وهو بحاجة ماسة إلى متبرع.
تدخلت زوجة أبي بالحديث
– لقد أجرينا الفحوصات ولم تطابق أنسجتنا مع أنسجة جسده.
– أرجو له الشفاء العاجل.
لكن زوجة أبي أوقفتني قبل مغادرتي وضمت يدي إلى يديها وقالت: أعلم أن ما مررت به ليس سهلاً، ولكن الآن والدك بين الحياة والموت.
أفلت يديها ثم قلت لها: أريد أن أراه.
أرشدتني حينها إلى غرفته ودخلت وهو مستلقي على الفراش بجسده الهزيل ووجهه الشاحب وكأنه شخص آخر لا أعرفه. أمعن النظر إلي وما إن عرفني حتى نطق قائلاً: أنتِ ديمة ابنتي الغالية، صحيح؟!
صمت حينها وتفاجأت من عبارة “ابنتي الغالية”، ومع ذلك لم أبدي ردة فعل وبقيت على سكوتي. وقتها توسل إلي حتى أساعده وأنني أمله الوحيد وسوف يصلح كل ما أفسده بعد شفائه.
حينها قبّلته على جبينه وخرجت من غرفته. كانت مشاعري مضطربة ولا أعلم هل أرأف لحاله أم أتشفى عمّا سببه لي من جراح هو وخالتي الأفعى، فما إن دخلت حياتنا حتى انقلبت إلى جحيم.
كنت في عمر التاسعة عندما تزوج بها ولم أجد أي حسنة واحدة تغفر لهما عمّا سبباه لي، حتى بلغت عمر الخامسة عشر وأقنعته أنني في سن زواج مناسب ما إن تقدم أحد أقارب صديقاتها إلي والذي كان يكبرني بخمسة وعشرين عامًا، حينها توسلت والدي بالإعراض عن ذلك ولكنه أبى بشدة حتى كتبوا كتابي رغماً عني.
لم تتغير حياتي الجديدة عن سابقتها بل جعل مني زوجي خادمة لعائلته وصار هو ووالدته يتناوبون على ضربي حتى قررت أن أهرب وأنجو بروحي إلى حضن والدي.
استنجدت به ولكنّه أعادني بنفسه إلى سجن التعذيب، رغم أنني جعلته يرى آثار الضرب التي تعرضت لها. ورغم ذلك، أبى هو وخالتي رجوعي إليهم بحجة أن المرأة مسكنها منزل زوجها.
حينئذ، وبينما كنت أتعرض للتعنيف الشديد، ومن شدة الوجع أغمي عليّ، ولم أجد نفسي إلا في المستشفى، وبرفقة معلمتي حسناء.
فقد علمت سابقًا بأمر زواجي المفاجئ، وقررت أن تزورني وتهديني بعض الكتب، خاصة أنها كانت تعلم كم كنت متفوقة وأحب الدراسة. وعندما حضرت، وقد سمعت صراخي، طرقت الباب بقوة، وما إن فتح حتى سقطت أرضًا أمامها.
اتصلت مباشرة بالإسعاف واستدعت الشرطة، وتواصلت مع عائلتي، ولكنهم رفضوا بشدة الحضور، بل وهددوا المعلمة لأعود إلى منزل زوجي، ولكنها أبت ووقفت إلى جانبي وساعدتني بإجراءات الطلاق، وتكفلت برعايتي حتى التحقت بالجامعة.
عندئذ، توقفت لبرهة ومسحت تلك الدموع التي هطلت ما إن استحضرت تلك الذكريات العصيبة، فتنفست الصعداء، ومن ثم توجهت مباشرة لأكمل ما أتيت لأجله.

زر الذهاب إلى الأعلى