قصة قصيرة لقاصة جنوبية تحت عنوان (انتصار سخرية)

سحر عبداللاه صالح مثنى
بخطوات متثاقلة صعدتُ الدَّرَج وأنا مضطرب الأعصاب وكل ما بي يهتز فقد رفعتُ الراية البيضاء، ولن أكون فريسة سهلة بعد اليوم، ولن أتراجع عن قراري، سأعدم ذاك الخوف الذي سرق مني متعة الحياة، ها أنا أضع حدا لهذه المعركة وسأكون المنتصر بها، فلطالما كنتُ الخاسر دائما والذي يختبئ في زاوية وحيدًا يكابد آلاما لا ذنب له فيها.
حاولت أن أكون جزءً من هذا العالم وأعيش كالآخرين، ولكنني لا أشبههم ومن الطبيعي أنّ يعاملوني بشكل مختلف، فأنا كالدخيل ألفت الأنظار أينما ذهبت، ولا أجلب سوى الشفقة
أغمضت عيني ثم أطلقت زفيرا وشهيقا، بسطت ذراعي وحرَّكت جسدي إلى الأمام، وإذا بيدين تباغتانني، متشبثتي بقميصي تسحبانني إلى الخلف بقوة، حتى سقطت متدحرجًا على الأرض، حينها سمعت صوتا – ليس بغريب عني – يتسلَّلُ إلى أذني
– هل أنت بخير؟!
رفعت رأسي بعد أن تعرَّضتُ لخدوش طفيفة، وفتحت عيني لأراها أمامي، فحاولت النهوض بمساعدتها، أسندتني على سطح المدرسة وخيم الصمت علينا برهةً، ثم كسرَتْهُ قائلةً:
لماذا كنت تنوي الانتحار ؟!
أجبت بصوت خافت وأنا مطأطئ رأسي:
ـ لأريحكم مني وأرتاح.
– تريحنا منك !
-نعم؛ حتى لا أزعجكم برأسي الكبير.. وتصرفاتي التي جعلت من إعاقتي تسلية لزملائي.
ربتت على كتفي، وقالت:
– وماذا عنهم؟ ألم تلاحظ إعاقتهم؟!
التفتُ إليها مندهشا وأجبت:
– ليسوا معاقين يا أستاذة فلا أحد ينظر إليهم نظرة دونية مليئة بالشفقة، وكأنني كائن فضائي.. عيون الناس تكاد تلتهمني بنظراتهم، وألسنتهم التي لا تكاد تتوقف عن السخرية مني.
– حسنًا، أخبرني، هل تؤذي الآخرين؟
– لا.
– هل تساعد مَن يحتاجك؟
– نعم.
– الحمد لله، ليست لديك تشوهات داخلية؛ لأن مَن يُسمّم
مشاعر الآخرين، ولا يوظف أخلاقه في التعامل الصحيح، بلا شك لديه إعاقة فكرية، وهي أخطر من الإعاقة الجسدية التي ليس لنا إرادة بها، وإذا لم يسارعوا بمعالجتها ستتفاقم، وسيصيرون عبئاً على المجتمع. ومثل هؤلاء لا يجب أن تلقي لهم بالا، بل يجب أن تدعو لهم بالشفاء مما ابتلوا به.
أصابت كلمات معلمتي هدى قلبي، وذرفتُ دموع الندم بغزارة، معلنًا أسفي وندمي الشديد عمَّا كدتُ أُقْدِمَ عليه بحق نفسي.
فابتسمت قائلة: أخلاقنا هي من تجمّل مظهرنا وأنا أراك – يا عزيزي – فائق الجمال.
كان الجميع حوله وهو غارق بدمائه لقد فارق الحياة للأسف لم أستطع إنقاذه كما فعلت معلمتي معي؛ لأنّني وصلت متأخرا، فتى بعمر الزهور وقع في فخ التنمر فضحى بحياته، فأحيا تلك الذكريات ثانية في أول يوم لي لوظيفة معلم.