قاصة جنوبية تكتب: قدم معيوبة

سحر عبداللاه صالح مثني
ليست المرة الأولى التي يعود فيها أبي دون أن يتناول معنا طعام الغذاء، حتى أنها أصبحت عادة متكررة حيث يرجع إلى المنزل من عمله الساعة الواحدة ظهراً وبيده كيس أوراق القات الخضراء التي خلقت جدالاً بينه وبين والدتي بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
كان والدي يبرر لها بأن ذلك يساعده على نسيان هموم الحياة القاسية والتي بسببها يعجز عن تلبية أهم الاحتياجات الخاصّة بعائلته، ورغم ذلك دخلت معه في تسوية بأن يخفف من شرائه بما يتناسب مع حالنا.
استمرت والدتي في تدبير أمور المنزل والاقتصاد قدر الإمكان، وفي كل مرّة يعرض والدي عن تناول الطعام، تحاول هي إرغامه لتناول شيء يسير على الأقل.
تسلل الخوف إليها وخشيت أنّه يعاني من مرض ما.
حينئذ، وبعد مرور أيام على هذا الحال وبدون سابق إنذار، طلبت منا أن نتجهز أنا وإخوتي للخروج في الساعة الحادية عشرة والنصف ظهراً، وقتها تساءلنا:
– إلى أين سنذهب يا أمي؟!
– إنها مفاجأة.
تحدث أصغر إخوتي بحماس متزايد: وأنا أحب المفاجآت.
– إذاً دعنا لا نتأخر يا صغيري.
انطلقت بنا مباشرة خارجاً حتى وصلنا لمطعم شعبي وحجزت لنا طاولة خارجاً.
كنتُ متفاجئاً، وخاصّة أن وضعنا المادي لا يسمح لنا حاليا من ارتياد المطاعم، لكنّها طمأنتني بأن الأمور جيدة، ولكن ما زاد استغرابي هو عدم دخولنا إلى قسم العائلات، وما إن كان والدي يعلم بذلك.
وعندما سألتها، أجابت بأنه هو من أخبرها بذلك، فانتظرنا إلى أن أتى، حينها بدت معالم الصدمة مرسومة على وجهه وكأنه يجهل وجودنا.
عندئذ، التفت إلى والدتي وتبادلا نظرات الاستغراب، ولكن والدتي نهضت من مكانها وقالت له: شكراً يا عزيزي لدعوتنا.
بدا والدي متوتراً وانضم إلينا دون أن ينطق بكلمة.
كانت والدتي قد اقترضت مبلغاً من المال من جارتنا لشراء متطلبات الغذاء التي نفذت على أن تسدد ما إن يقبض والدي راتبه، وكانت تربطها بها صداقة قوية، وذات يوم أخبرتها أن زوجها رأى والدي يتناول في كل مرة طعام الغذاء في هذا المطعم الشعبي تارة دجاج وتارة لحم عجل وهكذا.
صُعقت والدتي، فقد كان دائماً ما يتحجج بعودته منهكاً ولا يشتهي تناول الطعام.