القاصة الجنوبية سحر عبداللاه تكتب قصة قصيرة بعنوان “خلف الكاميرا”

سحر عبداللاه صالح مثنى
كانت السماء ترتدي ثوبها الأسود وكأنها هي أيضًا تعبر عن حزنها الشديد تضامنًا مع ذلك الرجل البائس الذي لم يفارق قبرها. غادر الجميع بعد انتهاء مراسم الدفن، إلا هو، بقي متسمراً في مكانه ويبكي بحرقة على فقدانها، وقد احتضنت قبضة يديه ترابها. ظل يردد عبارات: “أنا آسف… أرجوك سامحيني…” إلى أن جفت دموعه، ورغم ذلك لم يحرك ساكنًا حتى مع بدء هطول الأمطار التي مع مرور الوقت أصبحت غزيرة، فلم يؤثر ذلك عليه ليكون حجته ليغادر ويرحم جسده الذي يهتز من شدة البرد.
مرت ساعات طويلة حتى قرر أخيرًا العودة إلى المنزل، وهناك فتح حاسوبه الموصول بالإنترنت، وإذا بأخبار ميرنا، الممثلة المشهورة، تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، التي أقدمت على الانتحار بسقوطها من على سطح المستشفى. أغلق حاسوبه مباشرة وتمدد على فراشه بعد أن نال منه الإرهاق، وصار يتذكر أول مرة التقى بها عندما كان في زيارة إلى المستشفى لرؤية أحد أقاربه، وهناك علم بوجودها بالصدفة، وكانت بحالة نفسية يرثى لها.
كانت قد خرجت إلى حديقة المستشفى، وقد لحق بها، وعرف عن نفسه لها بأنه صحفي، وقد تعجب من وجودها، فأخبرته حينها:
– أرجوك، لا تخبر أحدًا بوجودي هنا.
– حسنًا، لا عليك.
إنها فرصتي الذهبية حتى أثبت نفسي بعد أن رفضت عدة مرات من مختلف الوظائف، ولكن أخيرًا قبلت بي إحدى المجلات، وإذا لم أستغل هكذا خبر، وخاصة أن مديري نبهني أنه إذا لم أنجح هذه المرة بكتابة مقال يجذب القراء ويحقق صدى، فسوف يطردني لأنني تحت التجربة.
ظلت نفسه توسوس له وصار يتخيل ذاته وهو يحصل على ترقية وإشادة الجميع، فغلبت عليه نشوة الانتصار وحظي بإعجاب مديره ما إن سلمه مسودة الخبر. عندئذ حققت المجلة نجاحًا باهرًا، وقناتهم على أعلى المشاهدات بعد انتشار خبر إدمان الممثلة المشهورة ميرنا بالممنوعات، وعلى إثرها انتهى بها الحال لتتعالج في مصح، وبعدها بأيام فوجئت بنبأ انتحارها.