النعماني يكتب: “مونتيفيديو يشهد للجنوب والعالم يتردد”

منذ أن تحرر الجنوب من مليشيات الحوثي ونجح أبناؤه في بناء قوات مسلحة قوية تحمي أرضه، ظل السؤال الكبير الذي يتداوله الشارع الجنوبي: لماذا لم يُعلن الاستقلال حتى الآن؟ والإجابة ليست بسيطة، لأن القضية لم تعد مسألة عسكرية فقط، بل أصبحت مرتبطة بحسابات إقليمية ودولية معقدة، فالسعودية ما تزال مترددة وتخشى أن يؤدي استقلال الجنوب إلى تقليص نفوذها وزيادة نفوذ قوى إقليمية أخرى ، بينما الإمارات تدعم المجلس الانتقالي لكنها تتحرك بحذر حتى لا يُتهم الجنوب بأنه مشروع إماراتي بحت، أما عُمان وقطر فتحفظاتهما قائمة على أي انفصال مفاجئ قد يربك التوازنات الإقليمية، فيما تركز أمريكا وبريطانيا على أمن البحر الأحمر ومكافحة الإرهاب ولا ترغبان بفتح صراع جديد يهدد الملاحة الدولية، في حين أن الأمم المتحدة ما تزال أسيرة قراراتها القديمة التي تتمسك بوحدة اليمن .
وأمام هذه التحديات يصبح لزاماً على المجلس الانتقالي أن يتحرك في مسارين متوازيين ، داخلياً عبر توحيد الصف الجنوبي وتحسين الخدمات وبناء مؤسسات قوية تعكس صورة الدولة القادمة، وخارجياً عبر طمأنة الجوار الإقليمي بأن الجنوب سيكون شريكاً في الأمن والاستقرار، وإقناع العالم بأن استقلال الجنوب ليس مشكلة بل هو الحل لإنهاء الفوضى في اليمن ، كما أن الخطاب الإعلامي ينبغي أن يكون مزدوجاً ، داخلياً لتعزيز الثقة والصمود، وخارجياً بلغة عقلانية تركز على الاستقرار والتنمية وأمن الملاحة .
وفي هذا السياق يملك الجنوب ورقة قانونية مهمة يمكن الإستناد إليها وهي اتفاقية مونتيفيديو التي وضعت شروط قيام أي دولة وهي أرض محددة، شعب دائم، حكومة قائمة، وقدرة على إقامة علاقات مع الدول الأخرى، وبالنظر إلى واقع الجنوب اليوم نجد أنه يمتلك كل هذه الشروط ، أرض محررة بالكامل، شعب موحد خلف قضية الاستقلال، مؤسسات قائمة وقوات أمنية وعسكرية على الأرض، إضافة إلى علاقات إقليمية ودولية عبر المجلس الانتقالي، وهذا يعني أن الجنوب جاهز من الناحية القانونية ليكون دولة، وما ينقصه فقط هو الاعتراف السياسي والدبلوماسي. والخلاصة أن الجنوب أمام فرصة تاريخية إما أن يحول النصر العسكري إلى دولة مستقلة معترف بها، أو يظل رهينة التجاذبات الإقليمية والدولية، والطريق رغم صعوبته ليس مستحيلاً إذا توحّد الجنوبيون خلف مشروع الدولة، وتمكّن الانتقالي من طمأنة الجوار، وإقناع العالم أن إستقرار المنطقة يبدأ من دولة جنوبية مستقرة وقادرة، وبهذا فقط يصبح الإستقلال حلماً قابلاً للتحقق وليس مجرد شعار مرفوع .