اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

#بعسسة.. يا رجلين شليني

#بعسسة.. يا رجلين شليني

علي سيقلي

يبدو أن مدين عفاش لم يكتف بأن يكون “مدينًا” لوالده بالاسم فقط، بل قرر أن يسدد فاتورة كاملة من البطولات الوهمية التي صاغها المزايدون حول “الزعيم” وهو يواجه الحوثيين كعنترة القرن الواحد والعشرين.

فجأة، يطل مدين عبر قناة العربية، لا ليبكي أباه، بل ليكسر قلوب المصفقين في المقيل، وليطفيء “ملاحم الفيسبوك” بنفس بارد، ويقول لهم:
“والدي مات وهو شارد، تماما كما يجري الخروف من الذئب”

أما المدهش في الحكاية، فليس الرصاص الذي انهال على الموكب المصفح، ولا الدبابات التي حاصرت الثنية، بل ذلك المشهد الذي يرويه مدين ببراءة قاتلة:
كان الزعيم، يركض بكتف مصابة، يبحث عن سيارة، عن باب، عن شجرة، عن حجر يختبئ خلفه، عن أي شيء، لعله يجد الأمان، لكن الأمان في اليمن كالتيار الكهربائي: يعلن عنه أكثر مما يرى.

الذين صنعوا من مقتله ملحمة بطولية وتاريخية، كانوا يتحدثون عن “قائدٍ صنديد صمد حتى آخر طلقة”.
فجاء مدين الطيب “نكب العفش” و “كب العشاء”، ونسف كل ذلك بكلمة واحدة:
“هربنا، وفحطنا”
هكذا، ببساطة قاتلة، وكأنك تسأل طفلا بريئا: أين الواجب المدرسي؟ فيرد ببساطة: سقط علي الدفتر بالبلاعة.

والأكثر كوميدية، أن رواية الحوثيين التي كانت تعتبر عند البعض كذبا دعائيا، صارت اليوم حقيقة تاريخية مختومة بشهادة نجل القتيل نفسه. الحوثي لم يحتج إلى مؤتمر صحفي بعد هذه المقابلة، فقط جلس في الكهف يصفق بيد واحدة ويقول:
“شكرا مدين، وفّرت علينا تعب التنظير.”

ثم تأتي الطامة:
أين طارق؟ أين يحيى؟ أين عمار؟ أين كل أولئك الذين كانوا يقسمون أن “الزعيم” لن يترك وحيدا؟
يجيب مدين، كأنه يوزع كروت غياب في مدرسة خاصة:
“كانوا مشغولين، أو ربما ضاعوا في الزحمة”
هكذا بكل بساطة، لم يبق مع الزعيم سوى عدد أصابع اليد من المرافقين، وبقية العائلة كانت تعد منشورا جديدا على الفيسبوك بعنوان، “سنبقى أوفياء لدم الشهيد”

ولأن السخرية في اليمن لا تحتاج إلى عناء، فإن مدين بحديثه ذاك خدم الحوثي أكثر مما خدم الحوثي نفسه.
حتى بعض أنصار عفاش الذين كانوا يقسمون أن الزعيم في الثلاجة وسيعود يوما ما ليقودهم، خرجوا من المقيل كالمصاريع يصرخون، “الله ينتقم منك يا مدين بحق هذا اليوم الفضيل”
ويبقى السؤال الأهم:
هل كان مدين ساذجا إلى درجة أنه كشف الحقيقة؟ أم أن الحقيقة نفسها كانت محشورة في صدره فقرر أن يتقيأها على الهواء مباشرة؟
مهما كانت الإجابة، فقد نجح مدين في شيء واحد فقط:
أن يحول موت أبيه إلى درس حي في مادة التربية الوطنية:
“حتى الأباطرة يمكن أن يموتوا ركضا، وأن تتحول القلاع إلى كمائن، وأن تصبح الثلاجات أصدق من الخطب.”

هكذا ببساطة، إنتهت الملحمة إلى زوال، وسقطت آخر كذبة، وبقي المشهد الأخير محفورا في ذاكرة اليمنيين أن عفاش، الرجل الذي حكم نصف قرن، يسقط وهو شارد كالأرنب، ولا يجد سوى “الحوثي” يقف في طريقه ليقول له:
تعال ارتاح لك هنا بالثلاجة يا مروض الحنشان.

زر الذهاب إلى الأعلى