اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

ذاكرة المصور… حين تبكي العدسة ولا يراها أحد

 

 

اعداد وتقرير / بسمة نصر

 

في كل صورة من مناطق النزاع… هناك عين رأت أكثر مما تحتمل، وقلب نزف دون أن يراه أحد.

المصور الصحفي ليس مجرد ناقل للمشهد، بل هو أول الشهود وآخر المنكسرين.

وإذا كانت الصورة الواحدة تساوي ألف كلمة، فكم جرحا تساوي في ذاكرة من التقطها؟

– شهود على الكارثة… وضحاياها أحيانا

لا نعرف أسماء معظمهم، ولا وجوههم، لكننا نرى أعمالهم كل يوم.

المصورون في الميدان لا يملكون ترف الحياد، فهم في قلب النار، يشهدون، يوثقون، ويقفون أحيانا على حافة الموت… أو يسقطون فيه.

 

هم لا يلتقطون صورا فقط، بل يعيشون التفاصيل:

صراخ الجرحى، رماد البيوت، برك الدم، نظرات الفزع في العيون.

الكاميرا توثق… لكن أرواحهم تخزن.

 

– حين تكون العدسة شاهدا وجريحا

“كلما أغمضت عيني، رأيت وجه الطفل الذي صورته ميتا”…

بهذه الجملة اختصر أحد المصورين حجم الألم الذي يحمله.

وأضاف: “لم أستطع أن أفعل شيئا، فقط التقطت صورته… وما زلت أختنق”.

 

 

مصور آخر من غزة كتب:

“كنت أصور البيت وهو يحترق… ثم أدركت أن زوجتي وأطفالي في الطابق العلوي.

ركضت وأنا أرتجف… الكاميرا على عنقي… لم تسجل كل شيء، لكن ذاكرتي فعلت”.

 

هذه ليست شهادات نادرة، بل نماذج مما يعانيه عشرات المصورين في الحروب، النزاعات، والاعتداءات اليومية.

 

-الصورة تذهب للعالم… والذاكرة تبقى تنزف

 

عندما نرى صورا لطفل تحت الأنقاض أو شهيد في الشارع، قد نشعر بالألم، ونغلقها بعد دقائق.

لكن المصور الذي التقطها… قد يكون عرف الطفل باسمه، ورآه يضحك صباحا، وصوره ميتا مساء.

نحن نغلق الصورة.

لكنهم لا يستطيعون إغلاق ذاكرتهم.

 

 

-اضطراب ما بعد العدسة

الكثير من المصورين الميدانيين يصابون بـ اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)،

وهم غالبا لا يجدون من يسمع أو يفهم.

البعض ينهار في صمت.

والقليل يجرؤ على الاعتراف:

“الكاميرا أرهقتني… وأنا لم أعد كما كنت”.

 

في كل مرة يطلب منهم التقاط “اللقطة الأقوى”، يطلب منهم أن ينتزعوا شيئا من أرواحهم… ويعيدوه للعالم مغلفا في صورة.

 

*من العدسة إلى القبر: حين يقتل الشاهد*

بعض المصورين لا تكتفي الحرب بسرقة أرواحهم من الداخل… بل تسلب حياتهم كاملة.

“شيرين أبو عاقلة” الصحفية الفلسطينية التي قضت أكثر من عقدين وهي تغطي ميدانيا القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها، لم تقتل لأنها كانت في مكان خاطئ، بل لأنها كانت في المكان الأصدق.

برصاصة في الرأس، رغم ارتدائها الخوذة والسترة التي كتب عليها “Press”، سقطت شيرين في جنين، عام 2022، بينما كانت تغطي اقتحاما إسرائيليا جديدا.

“شيرين” لم تكن تحمل الكاميرا فقط، بل حملت معها صوت القضية، ووجه الحقيقة… وكانت الصورة الأخيرة التي وثقتها هي صورتها شهيدة.

 

وفي مشهد آخر، من بلد آخر، سقط (نبيل القعيطي)، المصور الجنوبي الشجاع الذي وثق سنوات الحرب المشتعلة، بعد أن تحول منزله إلى ساحة اغتيال.

خرج من بيته في عدن ليقتل أمام بابه عام 2020، فقط لأنه التقط صورة أزعجت طرفا ما، وربما لأنه لم يساوم على “حقيقة الصورة”.

“نبيل” الذي نال جوائز دولية من وكالات كبرى مثل “فرانس برس”، لم يقتل في المعركة… بل المعركة وصلت إليه.

 

هؤلاء لم يكونوا ناقلين فحسب… بل كانوا جزءا من الحدث وضميرا للمشهد.

وقد دفعوا الثمن من دمهم.

 

– من يلتقط الصورة… من يلتقطه؟

المصور ليس آلة.

هو إنسان يتذكر أكثر مما يحتمل.

كل صورة يخزنها في أرشيفه، تترك خدشا أو حفرة في ذاكرته.

لكن قلائل فقط يسألون:

“هل أنت بخير؟”

 

((رسالة أخيرة))

إلى كل من يلتقط الكارثة… نراك، نشعر بك،

وإن لم نستطع أن نحمل عنك الكاميرا… فلنحمل معك جزءا من الذاكرة.

زر الذهاب إلى الأعلى