محمد الديني يكتب: جمهورية (هائل سعيد أنعم).. دولة داخل دولة

محمد الديني يكتب: جمهورية (هائل سعيد أنعم).. دولة داخل دولة
كتب /محمد الديني
حينما تُقرر الدولة أن تتحرك، لا بد أن يتحرك الجميع. هكذا يُفترض أن تكون الأمور في بلدٍ تحترم فيه القوانين وتُرسم فيه السياسات الاقتصادية من أعلى الهرم، لا من مكاتب الشركات.
لكن ما يحدث في البلد اليوم، وتحديدًا مع مجموعة شركات هائل سعيد أنعم، يُشير إلى أن الأمر معكوس تمامًا. فبينما تُعلن الحكومة عن تعافي مؤقت للعملة المحلية وهبوط في سعر الدولار، لا تزال أسعار السلع في السوق ترتفع أو تبقى كما هي، وكأن شيئًا لم يحدث. لماذا؟ لأن أحدًا لا يجرؤ على مساءلة “دولة التجار” التي أصبحت تُصدر قراراتها من خارج مجلس الوزراء.
احتكار من دون رادع
لنتحدث بصراحة: من يملك الدقيق في البلد؟ من يحتكر الزيوت، السكر، الأرز، الألبان، وحتى التونة؟ الإجابة واحدة: مجموعة هائل سعيد. مجموعة لا تُنتج فقط، بل تُسيطر على سلاسل التوريد، الاستيراد، التوزيع، الإعلانات، والمساعدات الدولية التي تمر عبرها.
أرقام غير رسمية تشير إلى أن المجموعة تتحكم في ما يقارب 70% من سوق الدقيق، وأكثر من 80% من سوق الزيوت، إلى جانب نفوذها شبه الكامل في قطاع الألبان والمعلبات. نحن أمام قوة اقتصادية عملاقة تفرض واقعها بصمت، وتُحكم قبضتها على غذاء المواطن، وتُحدد له السعر الذي تريده، متى ما أرادت.
الدولة تُطالب، والمجموعة تتجاهل
مؤخرًا، وبعد تحسّن نسبي في سعر صرف الريال، خرجت الحكومة بتوجيهات تُلزم التجار بخفض الأسعار. الجميع “تظاهر” بالامتثال، بينما هائل سعيد لم تُحرّك ساكنًا. لا خفض أسعار ، لا التزام فعلي.
وهنا نسأل: هل نحن أمام شركة أكبر من الدولة؟ أم أن الدولة ببساطة فقدت سيادتها الاقتصادية لصالح فئة من رجال المال الذين اعتادوا إدارة المشهد خلف الستار؟
لماذا لا تتدخل الدولة؟
لأن الدولة تعرف أن هذا الوحش الاقتصادي إن غضب، قد يُغرق السوق في أزمة تموينية حقيقية. لأنه ببساطة المورد الأساسي للدقيق والزيت والسكر، وحتى المساعدات التي تأتي من المنظمات الدولية تمر عبر مخازنه.
كما أن ضعف أجهزة الرقابة، وتداخل النفوذ السياسي بالتجاري، وانعدام الشفافية في ملفات الاستيراد والتسعير، كلها أسباب تجعل الحكومة تقف في موقع المتفرج، تُصدر البيانات، ولا أحد يستجيب.
الحل ليس مستحيلًا
هل يمكن فرض التسعيرة بالقوة؟ نعم، لكن بشرط:
أن تمتلك الحكومة إرادة سياسية صادقة، لا ترتجف أمام الكبار.
أن تُفعّل أدوات الردع: الغرامات، الإغلاق، والملاحقة القانونية.
أن تفتح السوق للمنافسين، وتمنحهم امتيازات جمركية لكسر الاحتكار.
أن تُحاسب، وتكافئ، وتُعلن بشفافية عن كل خطوة.
لسنا ضد رأس المال الخاص، ولسنا ضد مجموعة وفّرت آلاف فرص العمل، لكننا ضد أن يتحوّل التاجر إلى “حاكم خفي”، يُصيغ قراراته، ويُعاقب الفقراء، ثم يضع صورته على منتج لا يقدر عليه المواطن.
إن لم تعد للدولة هيبتها في السوق، فإن القادم أخطر. فالجوعى لا يُمكن خداعهم بالبيانات الرسمية، ولا بإعلانات “نادفود”.
✒️ محمد الديني