اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
اخبار وتقارير

الزر الذي غير العالم: من مقعد الطيار إلى محرقة هيروشيما

 

 

النقابي الجنوبي – متابعات

 

في الثانية و45 دقيقة من فجر السادس من أغسطس/آب 1945، لم يكن بول تيبيتس يدرك تماما أن لحظة جلوسه خلف مقود الطائرة “إينولا جاي” ستكون لحظة مفصلية في تاريخ البشرية. الطائرة الأميركية من طراز “بي-29” لم تكن تحمل فقط قنبلة ذرية، بل حملت معها عصرا جديدا من الحرب، وأدخلت الإنسانية إلى درب مظلم لا تزال تمشي فيه حتى اليوم.

 

“الولد الصغير” – الاسم الساخر للقنبلة التي مزقت هيروشيما – لم يكن سوى تتويج لمشروع مانهاتن، حيث التقى العلم بالسلطة، والعبقرية بالجنون. كان تيبيتس، الطبيب الذي لم يصبح طبيبا، قد تحول إلى قائد لأول هجوم نووي في التاريخ، رجل في التاسعة والعشرين، يلوح للكاميرات وهو يبتسم، بينما تحته ينتظر أكثر من 140 ألف ياباني حتفهم.

بعين الطيار، كانت العملية مجرد مناورة. مجرد زر، مجرد أمر. لكن على الأرض، كانت المدينة اليابانية تحترق، وكان الأطفال يذوبون في حرارة تعادل جحيما مُصغرا. لم ينظر تيبيتس إلى الوراء، لم يندم، بل أمضى حياته مدافعا عن فعله، مؤمنا أن لا أخلاق في الحرب. ومن المفارقة أنه أطلق اسم والدته “إينولا جاي” على الطائرة، في تكريم شخصي لعلاقة حميمية وسط دمار لا إنساني.

في المقابل، عاش بعض أعضاء المهمة بعارها. الرائد كلود إيثرلي مثلا، قضى حياته أسيرا للكوابيس، مطاردا بصور الأطفال المحترقين. ذلك الفرق بين من يرى الزر ومن يراه يحرق العالم.

قال الفيلسوف إريك فروم: “سينتهي وجود البشرية إذا ما استسلم الأفراد للطاعة العمياء، وضغطوا على الأزرار التي تأمرهم بالهلاك.”، وكأن تيبيتس هو الترجمة الحية لهذه النبوءة. هو الإنسان العادي الذي منح سلطة غير عادية، ولم يتردد في استخدامها، بل وافتخر بها.

وهكذا تحولت الطاعة إلى طغيان، والعلم إلى سلاح، والطيار إلى رمز في متحف، بينما لا تزال سحابة “عيش الغراب” مرفرفة فوق ضمير العالم، كتذكير صارخ بأن الزر قد يضغط مرة أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى