اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
اخبار وتقارير

تصعيد أردني ضد الإخوان.. والذراع السياسية في دائرة المساءلة

 

النقابي الجنوبي/ الشرق الأوسط

في تطور لافت ضمن واحدة من أعقد الأزمات السياسية والأمنية التي تواجهها المملكة الأردنية، تواجه جماعة الإخوان المسلمين المحظورة وذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي، سلسلة اتهامات قضائية تتعلق بتمويل غير مشروع، وتجاوزات قانونية ومالية، وارتباطات إقليمية مشبوهة. وتأتي هذه الاتهامات في وقت تتجه فيه الدولة إلى فرض مراجعات شاملة على بنية الحياة الحزبية، وسط مؤشرات على إعادة رسم حدود العمل السياسي ومساءلة الأذرع التنظيمية للجماعة، في مقدمتها الحزب المذكور الذي ما زال يحتفظ بوجود برلماني ونقابي رغم حل الجماعة الأم بقرار قضائي.

وتشير المعلومات الأولية إلى أن التحقيقات التي باشرتها الجهات القضائية منذ أبريل الماضي لم تقتصر على تتبع جماعة الإخوان المحظورة ككيان تنظيمي، بل امتدت لتشمل شبكة العلاقات المالية والسياسية المرتبطة بحزب جبهة العمل الإسلامي، الذي مثّل لعقود الواجهة القانونية للجماعة في الحياة العامة. وبحسب البيانات الرسمية، تكشف التحقيقات عن وجود عمليات جمع وتدوير أموال مشبوهة، استُخدمت في دعم فعاليات سياسية، واحتجاجات، وحملات انتخابية حزبية، إضافة إلى تقديم رواتب شهرية لقيادات محسوبة على الحزب، ما فتح الباب واسعًا أمام تساؤلات حول مشروعية استمرار الحزب في العمل السياسي بعد حل الجماعة الأم.

وكشفت السلطة القضائية، الثلاثاء، عن تفاصيل أولية من نتائج التحقيق، مؤكدة أن جماعة الإخوان المحظورة ضلعت في نشاط مالي غير قانوني خلال الأعوام الثمانية الأخيرة، مستفيدة من واجهات جمع تبرعات وجمعيات ذات طابع خيري، كانت في الواقع أذرعًا مالية تعمل تحت غطاء الحزب. وبحسب وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا)، تجاوزت الأموال التي جمعتها الجماعة الثلاثين مليون دينار خلال سنوات قليلة، جرى تحويل جزء منها إلى الخارج، واستُخدم جزء آخر لتمويل الحملات السياسية في الداخل، لا سيما في عام 2024.

ومع توالي فصول القضية، تتجه الأنظار إلى ما إذا كانت الخطوة التالية ستشمل الحزب رسميًا، بعد أن التزم الصمت منذ إعلان حل الجماعة، واكتفى بالظهور تحت قبة البرلمان دون تعليق واضح. وفي هذا السياق، يُنظر إلى حزب جبهة العمل الإسلامي بوصفه الحلقة الأضعف التالية، لا سيما وأنه كان المستفيد الأكبر من شبكة التمويل تلك، وفق ما ورد في بيانات التحقيقات.

وكان لافتًا أن الأجهزة المختصة ضبطت نحو 4 ملايين دينار، جرى إخفاؤها داخل منازل ومستودعات شمال عمان منتصف أبريل، ما اعتُبر مؤشرًا على ضخامة الشبكة المالية غير المشروعة، وارتباطها بقيادات ميدانية من الجماعة، يعمل بعضهم ضمن هياكل الحزب.

كما تزامنت الاتهامات مع إشارات رسمية إلى احتمال حل نقابة المعلمين الأردنيين، التي يهيمن عليها الحزب منذ ثلاث دورات متتالية، وسط تقارير تؤكد أن جزءًا من التمويل غير المشروع استُخدم في أنشطة النقابة، ما أعاد فتح ملفات قضائية عالقة منذ 2020، عندما تم تعليق عمل النقابة بموجب قرار قضائي.

وتعزز هذه التطورات، من وجهة نظر مراقبين، الاتجاه الرسمي نحو تصفية التداخل بين العمل الحزبي والعمل التنظيمي غير المشروع، في ضوء تحذيرات أمنية من استغلال الهياكل القانونية لأغراض سياسية ذات طابع خارجي، خاصة بعد الكشف عن “مخطط الفوضى” منتصف أبريل، والذي تورط فيه 16 شخصًا على صلة بالحزب والجماعة.

وبحسب ما تسرب من التحقيقات، فإن بعض الأموال جرى تحويلها عبر شركات صيرفة محلية إلى خارج البلاد، أو شُحنت مباشرة، في وقت جرى فيه تمويل حملات إلكترونية وإعلامية محسوبة على الجماعة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، ما أعاد تسليط الضوء على طبيعة الاتصالات التي أجرتها قيادات إخوانية أردنية مع جهات خارجية، أبرزها حركة “حماس” و”حزب الله”، وفق تقارير مسربة.

ورغم قرار محكمة التمييز الأردنية عام 2020 الذي يقضي باعتبار جماعة الإخوان منحلة بحكم القانون، ويفقدها شخصيتها الاعتبارية، استمر الحزب في ممارسة النشاط السياسي، ما دفع بعض النواب والسياسيين للمطالبة بضرورة فض الاشتباك بين التنظيم المحظور والحزب المرخص، ووضع حد لـ”الازدواجية القانونية” التي ظلت معلقة منذ سنوات.

وكان لافتًا كذلك أن الممارسات المالية التي أُدينت بها الجماعة، شملت إنشاء استثمارات عقارية بأسماء قيادات أو مقربين منهم، في الداخل والخارج، إلى جانب الاعتماد على تحويل الاشتراكات الشهرية من الأردنيين المقيمين بالخارج، والتي بلغت نحو 1.9 مليون دينار سنويًا وفق التقديرات الرسمية.

في موازاة ذلك، تدرس الحكومة الأردنية إجراء تعديلات تشريعية شاملة على قوانين الأحزاب والانتخاب، بهدف ترسيخ تمثيل سياسي متوازن، بعد تجربة حزبية متعثرة ضمن مشروع “التحديث السياسي”، وسط تسريبات عن احتمال حل مجلس النواب الحالي والذهاب إلى انتخابات مبكرة، خاصة إذا صدرت أحكام تمس الوضع القانوني لحزب جبهة العمل الإسلامي.

وفي حال تم حل الحزب أو فقد بعض مقاعده النيابية، قد يُصار إلى تعبئة الشواغر من قوائم بديلة، غير أن هذا الخيار يواجه بتحفظات داخل السلطة، خشية أن يؤدي إلى رفع شعبية الحزب المحسوب على تيار المعارضة الإسلامية.

 

وفيما تلتزم قيادات الحزب الصمت، تتابع مراكز القرار تطورات القضية التي أعادت طرح تساؤلات عميقة حول حدود العمل السياسي، وضرورات الفصل بين النشاط الحزبي والعمل التنظيمي ذي الارتباطات الإقليمية، في ظل ما يعتبره بعض المحللين اختبارًا جديدًا لمتانة المشروع السياسي الأردني وقدرته على إنتاج حياة حزبية آمنة وشفافة.

زر الذهاب إلى الأعلى