اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
تحقيقات

نحو ترسيخ قواعد شرق أوسط جديد.. حرب الـ 12 ليلة بين إيران وإسرائيل تقذف آثارها على دول الخليج

النقابي الجنوبي/خاص

في تطور لافت يشهده الشرق الأوسط اندلعت حربا استمرت 12يوما بين إيران وإسرائيل نسجت خيوطها ليلة 6 يونيو 2025، لخصت مسيرة عقود من التوتر السياسي وسط تصعيد عسكري غير مسبوق وتهديدات متبادلة تحولت إلى واقع دموي خلّف دمارًا واسعًا وخسائر بشرية ومادية باهظة نتيجة حقبة زمنية من التوترات المتراكمة أعادت رسم ملامح الصراع الإقليمي، وأثرت بصورة مباشرة على توازنات الخليج، ودفعت بالقوى الكبرى إلى إعادة تقييم استراتيجياتها تاركة بصماتها على خارطة الواقع تنذر بمستقبل مفزع للمنطقة.

انفردت الحرب بسرعة وتيرتها وكثافة نيرانها استُخدمت فيها صواريخ دقيقة وطائرات دون طيار استهدفت البنية التحتية الحيوية وطالت أهدافا في كل من تل أبيب وحيفا، فيما ضربت إسرائيل منشآت في أصفهان وقم وطهران وأخذت الهجمات السيبرانية نصيبها في الحرب.

استخدمت إسرائيل في حربها على إيران العملاء والجواسيس باعتبار أن الاستخبارات بشكل عام تُعرف بأنها محصلة للبراعة السياسية والعسكرية، وتعد الأجهزة الخارجية منها تقليديا، أداة سرية للسياسة الخارجية لأي دولة ووسيلة خاصة لتحقيق النصر على الأعداء.

والموساد الاسرائيلي امتلك شبكة تجسس عملاقة في إيران، جعلته قادرًا على تنفيذ الكثير من الاغتيالات.

الكاتب والصحفي التركي نديم شنر تناول جانبا من طبيعة مهام العملاء وعرض تفسيرا بقوله “لم يكن القصف الجوي وحده هو الضربة، بل اغتيل عدد من كبار القادة والعلماء النوويين الإيرانيين، ليس فقط عبر طائرات ” إف- 35″ والطائرات المسيرة، والصواريخ التي انطلقت من إسرائيل الواقعة على بعد 1600 كيلومتر، بل أيضًا عبر شبكة عملاء الموساد التي نُسجت داخل إيران على مدى سنوات كشبكة العنكبوت”.

وأضاف “ولفهم مدى فاعلية شبكة العملاء هذه، يكفي النظر إلى هوية من سقطوا قتلى في الهجوم. فخلال الغارات، قُتل كل من رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد حسين باقري، وقائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، وقائد مقر خاتم الأنبياء المركزي علي رشيد، وقائد أنظمة الدفاع الجوي للحرس الثوري داود شيحيان، وقائد القوات الجوية بالحرس الثوري أمير علي حاجي زاده، وقائد الطوارئ بالحرس الثوري علي شادماني”.

وتايع شنر “على مدار شهور، هرّب الموساد أجزاء من طائرات رباعية المراوح محمّلة بالمتفجرات، وذخائر تُطلق عن بعد، بواسطة حقائب سفر، وشاحنات، وحاويات شحن إلى داخل إيران. ثم قامت فرق صغيرة وسرية بتركيب هذه الطائرات قرب مواقع الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي. وعندما بدأت الضربات الجوية، حيّدت هذه الفرق الأنظمة الحرجة، واستهدفت منصات الإطلاق الخارجة من المخابئ”.

دول الخليج وسط العاصفة

دول الخليج حجزت مشهدا رئيسيا في سيناريو الحرب الإيرانية الإسرائيلية نالت نصيبها من القلق والتوتر وساد أرضها وسماءها حالة استنفار قصوى وعمها لحظات من الذعر دفع السعودية والإمارات إلى رفع جاهزية الدفاعات الجوية فيما استهدفت الهجمات الإيرانية قواعد أمريكية في قطر والعراق ردا على القصف الأمريكي للمفاعلات النووية الثلاثة ما دفع بالولايات المتحدة إلى إرسال حاملتي طائرات إلى الخليج في رسالة ردع لإيران.

وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن إيران نسقت هجماتها على القاعدة الجوية الأمريكية في قطر مع مسؤولين قطريين لتخفيف وطأة الضربات وافتقادها عنصر التأثير والمباغتة وتجنب إحداث خسائر بشرية ومادية من خلال انتظارها إخلاء القاعدة العسكرية والسماح ببدء الضربات.

إيران كانت تحتاج إلى رمزية الرد على الولايات المتحدة، متبعة استراتيجية مشابهة لتلك التي اتبعتها عام 2020 عندما أخطرت العراق قبل إطلاق صواريخ باليستية على قاعدة أمريكية في العراق عقب اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.

بدوره أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توصل إيران وإسرائيل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار.

وقال ترامب في منشور علي منصة “تروث سوشيال”: “أهنئ الطرفين، إيران وإسرائيل، على شجاعتهما وذكائهما في إنهاء ما يمكن تسميته ‘حرب الـ12 يومًا’. هذه الحرب كان يمكن أن تطول وتدمر الشرق الأوسط، لكنها انتهت قبل أن تخرج عن السيطرة”.

وأضاف: “بارك الله في إسرائيل، وبارك الله في إيران، وبارك الله في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة، والعالم”.

وتابع: “أود شكر إيران على إبلاغنا مسبقا مما سمح بعدم سقوط ضحايا” في صياغة سردية تعكس مفهوم الهزيمة التي منيت بها إيران.

 ووفق ترامب فقد أطلقت إيران 14 صاروخا “تم إسقاط 13 منها”. واختتم ترامب منشوره قائلا: “تهانينا للعالم إنه وقت السلام”.

قطر بدورها قالت إنها تحتفظ بحق الرد المباشر، بما يتوافق مع القانون الدولي، على استهداف إيران قاعدة العديد العسكرية التي تديرها الولايات المتحدة في الدوحة.

الهجمات الإيرانية على دول الخليج ترتب عليها آثارا سلبية هز اقتصادها كونها تحتضن عشرات القواعد الأمريكية باتت أهدافًا محتملة في أي رد إيراني على إثرها توقفت صادرات النفط مؤقتًا من إيران، وتعرضت ناقلات سعودية وكويتية لهجمات غير مباشرة أجبر دول الخليج تعزيز الحماية الأمنية لمنشآتها وموانئها ما أدى إلى رفع تكلفة التأمين البحري رافق ذلك القلق الشعبي والحكومي من إمكانية تحول الحرب إلى إقليمية كما سجلت بورصات الخليج تراجعًا كبيرًا، وتضاعفت أسعار السلع الأساسية بفعل توقعات الإمدادات المنقطعة والنفط المرتفع.

تبعات الوجود الأمريكي في الخليج

منذ حرب الخليج الثانية أصبح الوجود العسكري الأمريكي حجر الزاوية في الأمن الخليجي. غير أن الهجمات الإيرانية الأخيرة على القواعد الأمريكية كشفت عن مخاطره وبدأ الجدل يتصاعد في بعض العواصم الخليجية حول ما إذا كان هذا الوجود يجرّ الدول نحو حرب ليست طرفًا مباشرًا فيها فالكويت وقطر على سبيل المثال، تواجهان تحديًا حقيقيا في الموازنة بين تحالفهما الاستراتيجي مع واشنطن، وسعيهما لتجنب استعداء إيران.

كما شهدت مناطق متعددة في العراق وسوريا ولبنان موجات نزوح جديدة مع تصاعد التوترات، خاصةً بعد أن استُهدفت مواقع عسكرية موالية لإيران داخل هذه الدول. كما أُجلي مئات الأجانب من دول الخليج تحسبًا لتوسع الضربات.

المنظمات الإنسانية أطلقت تحذيرات من أن أي تصعيد شامل قد يؤدي إلى كارثة إنسانية إقليمية، وسط أزمة اقتصادية تعصف بدول عديدة.

أسباب اندلاع الحرب

الحرب لم تكن وليدة اللحظة إنما تقف خلفها أسباب جوهرية على مدى أكثر من عقد منها الزعم باقتراب إيران من إنتاج قنبلة نووية بحسب التقديرات الغربية رأت في ذلك إسرائيل تهديدًا وجوديًا فيما تصاعد النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان كان عاملا مساعدا زداد المخاوف الإسرائيلية من تثبيت وجود الحرس الثوري الإيراني قرب حدودها الشمالية وكذا التحريض المتبادل عبر الإعلام والمنابر السياسية على سبيل المثال تصريحات القادة الإيرانيين الداعية لـ”محو إسرائيل”، وردود إسرائيلية تتعهد “برد ساحق” إضافة إلى اغتيال قيادات وعمليات استخباراتية متبادلة: أبرزها اغتيال ضباط إيرانيين في دمشق، واستهداف علماء إيرانيين داخل البلاد وأخيرا فشل الدبلوماسية الدولية في تخفيف التوتر خاصة بعد انسداد المفاوضات حول العودة للاتفاق النووي.

كما أن هناك عوامل إضافية أسهمت في اندلاع شرارة الحرب وتسريع وتيرة التصعيد تمثلت في انشغال الولايات المتحدة داخليًا في الانتخابات الرئاسية والاختراقات السيبرانية التي وصلت إلى مؤسسات أمنية وسيادية إضافة إلى زيادة دعم إيران لوكلائها في غزة ولبنان، ما عزز قناعة إسرائيل بضرورة توجيه ضربة استباقية وكذا تصاعد التوتر في مضيق هرمز وتهديد إيران للملاحة الدولية ما زاد الضغط الإسرائيلي والغربي.

الخسائر البشرية والمادية

منيت إيران بخسارة العشرات من القادة العسكريين والعلماء إضافة إلى مئات المدنيين فيما تفشى الرعب والهلع في أوساط الإسرائيليين إضافة إلى الخسائر المادية التي من غير المحتمل أن تعوض في فترة قصيرة، على خلفية الأزمة المتواصلة في الاقتصاد الإيراني بينما ستعوض الجماعات اليهودية في العالم والولايات المتحدة، إسرائيل القائمة على اقتصاد التكنولوجيا المتقدمة، مع أن هذا التقدم لم يسعف كثيراً قبابها الحديدية ومنظوماتها الدفاعية التي كانت تعمل بكفاءة متدنية قياساً لنشاطات الموساد المذهلة، الممولة من خزينة الدولة نفسها.

رغم قصر مدة الحرب إلا أن الخسائر كانت فادحة ففي إسرائيل بلغت:
• أكثر من 1,300 قتيل (بينهم 200 جندي).
• دمار شامل في تل أبيب وحيفا وأشدود.
• توقف جزئي لمطار بن غوريون وخلل في النظام المصرفي.
• تدمير منشآت عسكرية واحتياطات طاقة.
بينما تضمنت الخسائر في إيران:
• مقتل أكثر من 2,500 شخص، أغلبهم في المدن الغربية والوسطى.
• تدمير منشآت نووية فرعية ومراكز بحوث.
• قصف موانئ ومنشآت نفطية، مما سبب انخفاض الإنتاج بنسبة 35%.
• انهيار أجزاء من شبكة الكهرباء والإنترنت.

غاب عن المشهد العربي وحدة الموقف وواحدية القرار وبدت الانقسامات واضحة بعض الدول كالعراق وسوريا ولبنان تميل إلى دعم الموقف الإيراني سواء عبر الفعل أو التصريحات، انطلاقًا من تحالفاتها الإقليمية. بينما دعت دول أخرى مثل مصر والأردن إلى التهدئة وتغليب الحلول السياسية، دون إدانة صريحة لأي من الطرفين.

الحرب الإسرائيلية – الإيرانية لم تعد مجرد مواجهة بين خصمين، بل أصبحت اختبارًا حقيقيًا لتوازنات الشرق الأوسط، ودول الخليج تجد نفسها في قلب العاصفة تحاول حماية مصالحها وضمان أمنها، وسط قواعد اللعبة الدولية لأمم معقدة. أما العالم العربي، فمرة أخرى ينقسم بينما شعوبه يدفع ثمنًا باهظًا لصراع لا يملك فيه الكثير من أدوات التأثير.

فحرب الـ 12 ليلة حتى لو انهارت هدنة ترامب بين إيران وإسرائيل، فإن قراراً أمريكيا بالتنسيق مع نتنياهو قد اتخذ بوقف حرب المدن بين طهران وتل أبيب.

مع إعلان وقف إطلاق النار بوساطة أممية ودعم صيني-روسي، توقفت الحرب بشكل هش. لا اتفاق دائم حتى الآن، ولا ضمانات لعدم تجدده. اللافت أن الحرب لم تكن فقط بين دولتين، بل تجسيدًا لصراع إقليمي مركب، تتشابك فيه الأمنيات النووية، الحسابات الجيوسياسية، والطموحات الدينية.

يبقى السؤال الأكبر: هل تعلمت الأطراف الدرس، أم أن ما شهدناه ليس إلا الجولة الأولى من حرب طويلة قد تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط بالكامل؟

زر الذهاب إلى الأعلى