اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

عيون الخارج في قلب الجماعة.. سقوط الرويشان وهروب شرف يفتحان ملف الموساد في صنعاء

النقابي الجنوبي/خاص

في تطور نادر ومثير للجدل داخل مناطق سيطرة جماعة الحوثي، شهدت العاصمة صنعاء، في يوم واحد، واقعتين متزامنتين على درجة عالية من الحساسية، تمثلتا في احتجاز اللواء جلال الرويشان، نائب رئيس وزراء الجماعة لشؤون الدفاع والأمن، ومحاولة هروب هشام شرف، وزير الخارجية الأسبق، باتجاه أديس أبابا.

تزامن الحدثين، وتكتم الجماعة على تفاصيلهما، فتحا باب التأويلات واسعًا، خاصة في ظل تسريبات استخباراتية غربية تحدثت عن اختراقات داخل بنية الجماعة لصالح جهات أجنبية، من بينها الموساد الإسرائيلي، وارتباط ذلك بمعلومات أمنية بالغة الحساسية خرجت من صنعاء في توقيت بالغ الدقة.

الرويشان: اختطاف بلا تفسير.. واتهامات بالتخابر

فجر الأربعاء، داهمت قوة من جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين منزل اللواء جلال الرويشان، أحد أبرز القيادات الأمنية القادمة من خلفية مؤتمرية، وجرى اقتياده ومرافقيه إلى جهة غير معلومة، وسط حالة من التوتر الأمني البالغ في محيط منزله.

حتى لحظة إعداد التقرير، لم تُصدر أي جهة رسمية توضيحًا حول أسباب اختفائه، إلا أن مصادر متطابقة كشفت أن التهمة الموجهة إليه ضمنيًا هي التخابر مع جهاز الموساد الإسرائيلي، في واحدة من أخطر القضايا الأمنية التي تطال شخصية من الصف الأول داخل سلطة الحوثيين منذ سنوات.

ويُعد الرويشان من الوجوه البيروقراطية التي حافظت على موقعها داخل الجماعة بعد تحالف 2014، وكان يشغل مناصب أمنية رفيعة منذ عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما كان يُعرف بكونه صوتًا متزنًا وغير صدامي داخل التكوين الهش لحكومة الحوثيين، ما جعله محل ثقة مرحلية.
لكن – وفق مراقبين – فإن هذه الصفات نفسها قد تكون جعلته ثغرة محتملة لاختراق استخباراتي، خاصة مع تصاعد الشكوك داخل الجماعة بشأن تسريبات تمس التحركات الإقليمية وملفات الهجمات البحرية.

محاولة الهروب: هشام شرف يسابق المصير

بالتوازي، كشفت مصادر خاصة أن هشام شرف، وزير الخارجية الأسبق في حكومة الحوثيين، غادر صنعاء بشكل مفاجئ ومتخفٍ، مستهدفًا العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عبر المرور من مطار عدن.
وتفيد المعلومات بأن شرف كان يحمل جواز سفر فرنسيًا، يُعتقد أنه حصل عليه خلال سنوات توليه مهام دبلوماسية، ما يثير علامات استفهام حول صلاته الخارجية وشبكة علاقاته غير المعلنة.

لكن محاولة شرف لم تكتمل؛ إذ تمكّن أمن مطار عدن من كشف هويته الحقيقية قبل مغادرته، ليجري توقيفه من قبل القوات الجنوبية، وسط حالة استنفار أمني، ما أنهى مخطط فراره وأثار مزيدًا من الأسئلة حول أسباب خروجه السرّي من صنعاء.

وكان شرف قد تولى حقيبة وزارة الخارجية في حكومة الجماعة، غير المعترف بها دوليًا، منذ 28 نوفمبر 2016م، وظل يشغل هذا المنصب حتى تم استبداله في العام 2024 بالصحفي المقرّب من الجماعة جمال عامر، ضمن ترتيبات عكست رغبة القيادة الحوثية في تجريد الواجهة السياسية من العناصر غير المرتبطة أيديولوجيًا بها بشكل كامل.

ورغم خروجه من المنصب، ظل شرف يُنظر إليه كشخصية ظلّ دبلوماسية تملك مفاتيح اتصال خارجي، ما يجعل محاولته الهروب في هذا التوقيت محلًا لتكهنات حول وجود معلومات حساسة كانت بحوزته، أو خشية من التورط في ملفات أمنية يتم تفكيكها بصمت داخل الجماعة.

فرضية الاختراق: الموساد في قلب صنعاء؟

تقاطعت هذه التطورات مع تقارير استخباراتية غربية ظهرت مؤخرًا، تحدثت عن اختراقات أمنية واسعة داخل مناطق سيطرة الحوثيين، وتسريبات تتعلق بالبنية العسكرية للجماعة، وتموضعها البحري، وخطط الدعم الإيراني في جبهات عدة، ما فتح بابًا لتحليلات أكثر عمقًا.

ومن منظور استخباراتي، فإن الرويشان – بحكم موقعه – كان على اطلاع مباشر على غرف العمليات والأجهزة السيادية الحساسة، بينما شرف امتلك شبكة اتصال خارجي قد تكون شكلت غطاءً لتحرك استخباراتي خفي، تم كشفه مؤخرًا.

يرى محللون أن الجماعة قد اختارت التحرك السريع لتفادي تسرب المعلومات حول الاختراق، أو للحيلولة دون خروج عناصر أخرى من دائرة السيطرة، خصوصًا أولئك المرتبطين بالحزب الموروث (المؤتمر) الذي تحوّل خلال السنوات الماضية إلى “شريك مراقَب” لا يُسمح له بتجاوز الخطوط العقائدية.

تصفية أم احتواء؟ الجماعة في مأزق داخلي

حتى الآن، لم تتحدث جماعة الحوثي عن الواقعتين، ما يضع المراقبين أمام احتمالين:

1. تصفية محسوبة لقيادات سابقة بحجة أمنية لتصفير العلاقة مع بقايا المؤتمر الشعبي العام.

2. أو احتواء هادئ لاختراق استخباراتي فعلي تبيّن للقيادة مؤخرًا، وتسعى لمعالجته داخليًا دون ضجة سياسية.

وفي كلتا الحالتين، يبدو أن الجماعة تواجه تحديًا أمنيًا داخليًا أكثر خطورة مما يُعلن، مع احتمال وجود أطراف خارجية نافذة تمكّنت من النفاذ إلى مواقع حساسة داخلها.

من يراقب من داخل صنعاء؟

ما بين اختفاء الرويشان، ومحاولة هروب شرف بجواز أجنبي، تتضح صورة نظام أمني مغلق يعيش صدمة خيانة داخلية.
وإذا ما صحت فرضية التخابر مع الموساد، فإن ما تخشاه الجماعة ليس فقط كشف المستور، بل تآكل الثقة داخل هياكلها، في لحظة إقليمية معقّدة.

فالعين الخارجية التي اخترقت الجبهة، قد لا تكون وحيدة، وقد تكون قد وصلت إلى أبعد مما تتوقعه صنعاء.

زر الذهاب إلى الأعلى