اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

«7» يوليو… ذكرى لا تموت في الذاكرة الجنوبية

«7» يوليو… ذكرى لا تموت في الذاكرة الجنوبية

كتب/حسين الغزالي

في كل عام، يعود السابع من يوليو ليوقظ جراحاً لم تندمل، ويعيد إلى الأذهان واحداً من أكثر الأحداث إيلاماً في التاريخ المعاصر للجنوب، حيث سقطت العاصمة الجنوبية عدن في صيف 1994، معلنة نهاية حرب ظالمة ونقطة مفصلية في مسار القضية الجنوبية.

لقد كانت حرب صيف 1994 نتيجة غدر موصوف تم تحت عباءة الوحدة، لا خلافاً سياسياً عابراً، بل انقلاباً عسكرياً شاملاً على الشراكة التي بدأت بتفاهمات سياسية ونوايا وطنية، تحولت سريعاً إلى وسيلة للهيمنة والاستحواذ، فقد اندفعت قوى الحرب لشن عدوان شامل على الجنوب، مستخدمة أدوات عبثية من استدعاء للقبيلة وتغذية للنزعات الطائفية، إلى توظيف للدين لشرعنه الاجتياح واستباحة الدماء الجنوبية، وتكريس واقع استعماري مغلف بالشعارات.

ونتج عن ذلك اجتياح ممنهج طال كل مقومات الحياة، حيث نهبت الأراضي العامة والخاصة على نطاق واسع، وتعرضت الثروات للعبث والسيطرة، وتمت مصادرة الوظيفة العامة لصالح قوى النفوذ، بينما فُرض التسريح القسري لعشرات الآلاف من الكوادر العسكرية والمدنية الجنوبية، ضمن أوسع عملية اجتثاث وظيفي في التأريخ، لقد كان ذلك مشروعاً منظماً لتجريف الجنوب من مؤسساته وقدراته، وتحويله إلى تابع اقتصادي وسياسي بلا إرادة.

أمام أعين العالم، تم استخدام آلة الحرب لفرض الأمر الواقع، وتكريس السيطرة على الجنوب لا كشريك، بل كغنيمة، نهبت الثروات، وصودرت الحقوق، وسحقت الكرامة الوطنية لشعب آمن بالوحدة وحلم بدولة عادلة، فوجد نفسه تحت وطأة واقع جديد قائم على الإقصاء والتهميش.

ومع تراكم المعاناة، انطلقت إرهاصات الوعي الجنوبي من جديد، وكان تأسيس جمعية أبناء ردفان للتصالح والتسامح عام 2006 علامة مضيئة في تاريخ العمل الوطني، إذ فتحت الباب أمام تجاوز إرث الماضي الجنوبي، وأرست مبدأ التلاحم الوطني كقاعدة لأي نهوض سياسي مستقبلي.

ومن رحم التصالح والتسامح، ولدت الثورة السلمية الجنوبية، المعروفة بـ”الحراك السلمي الجنوبي”، الذي انطلق بشجاعة منذ العام 2007، رافعاً راية التحرير والاستقلال، ومتمسكاً بالأساليب السلمية في مواجهة آلة القمع والإقصاء، هذا الحراك مثل نقلة نوعية في مسار النضال، ونجح في إيصال صوت الجنوب إلى العالم، رغم القمع والتشويه والتعتيم.

ثم جاءت لحظة فارقة في 2015، حين واجه الجنوب الغزو الحوثي ـ العفاشي، فهبت جماهيره لتشكيل المقاومة الجنوبية، التي سطرت ملاحم بطولية، وقدمت قوافل من الشهداء في سبيل الدفاع عن الأرض والهوية، المقاومة لم تكن مجرد ردة فعل، بل كانت تجسيداً لإرادة شعب رفض الذل والخضوع، وصنع من تحت الركام أملاً جديداً.

واستمراراً لمسار النضال، ولد في مايو 2017 كيان سياسي جامع حمل تطلعات الجنوبيين، وهو المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي بات اليوم الممثل السياسي للقضية الجنوبية، وحامل مشروع الاستقلال، وقائد المسار التفاوضي باسم شعب الجنوب في الداخل والخارج، وقد جاء تأسيس المجلس كثمرة طبيعية لنضالات طويلة، وكمظلة جامعة لإرادة سياسية موحدة تليق بتضحيات الأبطال، حيث فوّض اللواء عيدروس بن قاسم الزُبيدي من قبل جماهير الجنوب رئيساً لهذا الكيان، ليقود المرحلة السياسية بروح النضال وبثقة الشعب الراسخة في مشروعه الوطني.

إن ذكرى السابع من يوليو ليست مجرد تاريخ، بل شاهد حي على الظلم، ومحرك دائم لذاكرة الجنوب التي ترفض النسيان، وتتمسك بالحق مهما طال الزمن، وهي في الوقت ذاته بوابة لمراجعة المسار وتقدير كل محطة نضالية أسهمت في تعزيز وحدة الصف واستعادة الكرامة

زر الذهاب إلى الأعلى