(بسمة نصر):« غاندي» الجنوب..نموذج للنضال السلمي في زمن التحولات

بسمة نصر
في الوقت الذي كانت الساحات تغلي فيه بالغضب، والجنوب يئن تحت وطأة القمع والتهميش، خرج رجل هادئ القسمات، ثابت الخطى، قوي الإرادة، ليقود مشعل النضال السلمي بصبر لا يكل ولا يمل. إنه عبد الرحمن حيدرة، الذي لم يكن مجرد ناشط سياسي، بل كان رمزا حيّا لمقاومة حضارية، فاستحق بجدارة لقب “غاندي الجنوب”.
المقاومة بالعقل.. لا بالبندقية
بعد احتلال الجنوب العربي الحر في صيف 1994، شهد عبد الرحمن حيدرة تحديات جسيمة في حياته، حيث تم في عام 2009 تحويله من مستشفى باصهيب العسكري إلى صنعاء، وطرده من قبل مجموعة 94، إضافة إلى تعرضه للطرد من العمل وسجنه أكثر من خمس مرات بسبب نشاطه الوطني ومواقفه المناهضة للقمع.
وفي كلمات مفعمة بالإصرار قال:
“أقول لكل شاب حر وعنده غيره على عرضه وأرضه أن يكون مع إخوانه أبناء الجنوب الحر. نحن الآن في منعطف خطير، ويجب علينا أن نوقف ما لا يستطيع رجل واحد خلقه. الرئيس القائد عيدروس الزبيدي والمجلس الانتقالي الجنوبي هما السفينة التي تبحر بنا إلى بر الأمان”.
وأضاف بحزم:
“لا يمكن نساوم بدم أي شهيد أو جريح جنوبي، فهذا دم لا يقدر بثمن”.
وشدد على ضرورة وحدة الصف الجنوبي قائلا:
“الجنوب اليوم بأيدينا كشعب. علينا أن نقف صفا واحدا مع القوات المسلحة الجنوبية فهي صمام أمان الجنوب. كمناضلين، يجب أن نستمع إلى المجلس الانتقالي التي يسعى لإعادة بناء ما تم هدمه من قبل الشمال، فالجنوب قدم فواتير باهظة من الشهداء والجرحى”.
خلال نشاطه، كان يجمع مع عدد من المناضلين حق الموصلات في كل الفعاليات الجنوبية، رغم أننا لم نتلق أي دعم من أي مكان، بل كان الدعم فقط بيننا وبين بعضنا البعض، مؤكدا أن الصمود والتكاتف الداخلي كانا ركيزتي النضال.
في مجتمع خذل طويلا، كان من السهل الانجراف نحو العنف، لكن “غاندي الجنوب” اختار طريقا مغايرا: طريق الكلمة، والوقفة، والعصيان المدني. وقف في وجه الظلم مدججا بسلاح الوعي، مؤمنا أن الوطن لا يبنى بالصراخ، بل بالتخطيط، ولا يتحرر بالكراهية، بل بالمواقف الأخلاقية.
في كل خطوة من مسيرته، دعا إلى التكاتف، والحفاظ على سلمية الحراك الجنوبي، ورفض الانجرار وراء ردود الفعل الغاضبة. كلماته كانت رسائل وطنية، وخطواته كانت خارطة طريق لثورة بيضاء.
تضحيات بلا ضجيج
لم يكن حيدرة ممن يسعون خلف المناصب أو الأضواء، بل نذر نفسه لمشروع وطني أكبر منه. عانى من التهديدات، وتعرض للمضايقات، لكنه بقي على موقفه، مدافعا عن قضية شعبه من فوق كل منبر، ومشاركا في كل ساحة.
وأكد أن الدرس الأكبر الذي تعلمه من النضال هو:
> “حب واحترام وحفظ كل المناضلين وأسرة كل شهيد. تعلمته من النضال أن أكون وفيا لأرضي وشعب الجنوب، وأن أحفظ على كل ثوابت الثورة الجنوبية والقيادة من أجل التحرير والاستقلال للجنوب العربي الحر”.
وفي كل اجتماع، كان صوته الهادئ يقول ما تعجز عنه الصيحات، وكان حضوره مصدر طمأنينة لمن حوله:
> “جنوبنا لن يبنى إلا بسواعد أبنائه وبعقلانية تليق بتضحياتهم”.
إرثه الأخلاقي في ذاكرة الجنوب
ما يميز “غاندي الجنوب” أنه لم يكن مناضلا فقط، بل كان مربيا، يلهم الشباب بحبه للوطن، ويربيهم على الإيمان بالسلام كقيمة نضالية. أصبح مرجعا لكل من يريد أن يتعلم كيف تكون القضايا العادلة أقوى من الرصاص، وكيف تنتزع الحقوق بالإصرار لا بالدماء.
اليوم، يتذكره الجنوبيون بامتنان، ويستحضرون مواقفه في كل منعطف، لأنه أثبت أن القوة ليست في العضلات، بل في الثبات على المبدأ.
*ختاما*..
يستحق عبد الرحمن حيدرة – “غاندي الجنوب” – كل الثناء والتكريم، لأنه علم شعبه أن الجنوب ليس مجرد أرض، بل روح تحترم، وتستعاد بسلمية، وعدالة، وكرامة.
فليكن ما زرعه هذا المناضل درسا دائما للأجيال:
> “إذا خيرت بين أن تكون منتصرا بالعنف أو مهزوما بالكرامة.. فاختر الكرامة، وستنتصر آخر المطاف”