الكاميرا التي قتلت الدبابة: أخطر الدروس الاستخبارية

النقابي الجنوبي/رصد وتحرير: فريق التحرير
في زمن لم تعد فيه المعارك تُحسم في ميادين القتال فقط، تتكشف ملامح حروب جديدة تُدار من خلف الشاشات، وتُشن عبر الصور والمعلومات لا القذائف فقط. هذا التحوّل العميق في أدوات الصراع يرسمه اللواء علي حسن زكي بتحليل دقيق، يُبرز كيف أن الكاميرا باتت أخطر من الدبابة، وأن الاختراق الاستخباري، إن لم يُواجه بمنظومة أمنية محترفة قادرة على الاستباق والهجوم، فإنه كفيل بشلّ أعتى الجيوش.
من هذا المنطلق، يُقدم اللواء قراءة عسكرية مهنية، تتجاوز حادثة بعينها، لتطرح أخطر الأسئلة الأمنية: هل لا تزال مؤسساتنا تفكر بعقيدة الجيوش التقليدية؟ وأين يقف جهاز المخابرات من حرب أصبحت فيها المعلومة سلاحًا، والثغرة خندقًا، والانكشاف هزيمة؟
عندما تصبح الكاميرا أقوى من الدبابة
يرى اللواء زكي أن التطور المتسارع في أدوات الاستخبارات حوّل المشهد العسكري من ساحات مكشوفة إلى شبكات خفية. الصورة أصبحت توازي القذيفة، والمعلومة باتت تسبق الصاروخ، بل تُغنيه أحيانًا.
ويؤكد أن الضربة الحاسمة في أي صراع قد لا تكون بفعل تفوق عسكري ظاهر، بل بفعل معلومة دقيقة تم توظيفها في الوقت والمكان المناسبين، ويضيف:
> “لقد صار واضحًا أن الكاميرا أخطر من الدبابة، وأن الضربة الحاسمة لا تحتاج إلى ضجيج، إنما إلى معلومة دقيقة وتوقيت ذكي.”
لا استخبارات… لا حماية
يُبرز اللواء علي حسن زكي خللًا استراتيجيًا بالغ الخطورة حين يربط بين تعرض الدول للضربات الموجعة، وبين ضعف أو غياب أو اختراق أجهزتها الاستخبارية.
ويقول:
> “إن الاعتماد الأعمى على القوة العسكرية، دون منظومة استخباراتية متقدمة، يجعل أي دولة معرضة للاختراق من الداخل.”
فالمخابرات، في نظره، ليست مكمّلة للجيوش بل جزء أساسي من أي عقيدة دفاعية ناجحة. من دونها، تظل المنشآت، القيادات، والمواقع العسكرية مكشوفة في وجه خصم يعرف كيف يضرب بصمت.
مناطق الحوثيين في مرمى التقنيات
يؤكد اللواء من أن مناطق سيطرة المليشيات الحوثية باتت مرشحة لتكون ساحة للاختراقات القادمة، في ضوء ما وصفه بأكبر عملية رصد وتحليل، عبر وسائل غير عسكرية.
ويؤكد أن الاختراقات الحديثة لا تبدأ بالقواعد العسكرية، بل بالمجتمعات والنخب وأنماط العيش:
> “مسح ديمغرافي، اجتماعي، سياسي، ثقافي، وتكنولوجي، لتحديد مواضع التأثير، ثم تنطلق إلى أدواتها.”
ويضيف أن هذا النمط من الاختراق يعتمد على التراكم التدريجي، لا على المواجهة المباشرة، ويهدف إلى تفكيك البيئة الداخلية تمهيدًا للضربة أو التحكم بها عن بعد.
ثلاثية الاختراق: من الضابط إلى الذباب الإلكتروني
يعتمد العدو، كما يوضح اللواء زكي، على ثلاثية استخبارية كلاسيكية لا تزال فعّالة:
> الضابط – العميل – المعلومة،
ثم يُضاف إليها اليوم أدوات الحرب الحديثة:
الأجهزة الفنية، الذكاء الاصطناعي، والحرب الإلكترونية.
وتقوم هذه الأدوات مجتمعة بإحداث اختراقات ناعمة لكنها فعّالة، من خلال حملات تضليل، وبث الإرباك، وزعزعة الثقة بالمؤسسات، ويقول:
> “الذباب الإلكتروني الموجّه ليس ظاهرة عشوائية، بل أحد أذرع الحرب الاستخبارية الناعمة.”
أسلحة غير تقليدية: المرأة، الكحول، المال.
يفتح اللواء زكي ملفًا حساسًا حين يشير إلى الأدوات الشخصية التي تُستخدم لاختراق الأفراد في مواقع حساسة.
ويقول:
> “المرأة (محشومات حرائر بلادي الفاضلات) تُستخدم كوسيلة استدراج للهدف، خاصة حين يكون قريبًا من المعلومة، فيفشيها من باب التفاخر أو الثقة، ثم تُوثّق وتُرسل.”
ويضيف أن الكحول، بدوره، يُفقد السيطرة، ويحول الجلسات إلى ساحات تجنيد ناعمة. أما المال فيُستخدم لاستقطاب من يبحثون عن وسيلة سريعة أو من يعانون ضيقًا.
وعلى الصعيد المحلي، يلفت إلى أن القات أحيانًا يؤدي الوظيفة نفسها، عندما يتحدث المتعاطي في لحظة نشوة بما لا يجب أن يُقال.
وظيفة المخابرات: لا تكتفِ بالدفاع
يشدد اللواء زكي على أن الاستخبارات لا تنجح إن اكتفت بالدفاع.
> “طالما أن العدو يحاربك بأساليب سرية، فأنت بحاجة إلى جهاز استخباري يفوقه دقة وسرية وإتقانًا.”
ويؤكد أن الوظيفة الحديثة لجهاز المخابرات لم تعد فقط في كشف المخططات، بل في تنفيذ الاختراقات الوقائية، والعمل الاستباقي، وتحديد العدو قبل أن يُعلن عن نفسه.
ختاما:
إن تحليل اللواء علي حسن زكي لا يقدّم مجرد قراءة لحادثة أو حالة، بل صيحة تحذير استراتيجية، بأن العالم من حولنا يتغيّر، وأسلحة الأمس لم تعد تصلح لمعارك اليوم. فحين تُخترق الدول بالكاميرا والبرمجيات، وحين تُنتزع الأسرار من لحظة ثرثرة أو ثغرة شخصية، فإن الأمن الوطني لا يُصان بالصواريخ فقط، بل بجهاز استخباري فاعل، مدرّب، متقدّم، يُجيد الرصد قبل أن يُجبر على الرد.
وفي هذا السياق، فإن أخطر ما يمكن أن تواجهه دولة ما ليس عدوًا خارجيًا مسلحًا، بل ثغرة داخلية غير مرئية، تُفتح ببطء، ثم تُغلق على مفاجأة لا تُجدي أمامها أي قوة نارية. فهل نستعد لما هو آتٍ؟ أم ننتظر الدرس القادم، وقد يكون أكثر كلفة؟