هندسة النفوذ وإرادة الإصلاح: قراءة دبلوماسية في معادلة القوة بالمناطق المحررة

كتب / عامر الحريري
في لحظة سياسية تتقاطع فيها حسابات الإقليم مع تعقيدات الداخل، يبرز سؤال الشفافية في النقاش حول واقع المناطق المحررة، وحول مدى قدرة الحكومة على إحداث تغيير اقتصادي وإداري حقيقي. غير أن قراءة المشهد بعيدًا عن المجاملات تفرض علينا الاعتراف بمعادلات النفوذ التي تحكم اللعبة، وتحديد مراكز الفعل القادرة على إعادة بناء قواعد العمل في مؤسسات الدولة.
فمن الواضح أن موازين القوى الإقليمية—وفي مقدمتها المملكة—تمتلك القدرة على إعادة صياغة بنية القرار السياسي للشرعية، وقد أثبتت ذلك عبر إعادة تشكيل هرم السلطة وإدارة انتقالات حسّاسة في مفاصل الدولة. هذه الأدوار ليست سرًا، بل هي جزء من المشهد الاستراتيجي الذي بات يتعامل معه الفاعلون المحليون كأمر واقع، وكجزء من ترتيبات “إدارة النفوذ” التي تُمارس وفق توافقات التحالف.
ولأن السياسة—كما الاقتصاد—تتحرك وفق ميزان القوة، فإن الحكومة، مهما كانت نواياها، تبقى مقيدة بأطر إقليمية أشمل. هي أشبه بقلم يمسكه النظام الأكبر للعبة، لا يخطّ إلا ما تتيحه له مساحة الحركة. وهذا توصيف سياسي لا ينتقص من الشرعية، لكنه يضعها في سياقها الحقيقي داخل منظومة التحالف.
أما أدوات التأثير الإقليمي، فليست بحاجة إلى الإفصاح المباشر. يكفي أن نعرف أن “القوة الناعمة” تُمارَس عبر برامج الدعم التنموي، وأن “القوة الصلبة” تُفهم من خلال ترتيبات أمنية تمتد على رقعة جغرافية واسعة. وأن “الدبلوماسية الشبكية” هي التي تؤطر العلاقات مع القيادات المحلية، وتحدد مسار اتخاذ القرار دون إظهار الوجه الصريح لصاحبه.
هذا التداخل يجعل من المملكة اللاعب الأكثر قدرة على تحريك ملف الإصلاحات الاقتصادية في المناطق المحررة، بما في ذلك ضبط إيقاع البنك المركزي، وتفعيل منظومة الرقابة المالية، وإلزام المحافظات بتوريد إيراداتها، ومكافحة الفساد البنيوي الذي يتغذى على هشاشة المؤسسات.
والدليل واضح: عندما تتدخل الإرادة الإقليمية بقرارات إجرائية دقيقة، ينضبط سعر الصرف خلال أيام، ويستعيد السوق استقراره، وتتحول الفوضى إلى انتظام. وذلك ليس مجرد مصادفة، بل انعكاس مباشر لامتلاك المملكة أدوات النفوذ القادرة على تغيير قواعد المشهد في وقت قياسي.