الساعة البيولوجية والمناعة: خلل الإيقاع اليومي يضاعف خطر العدوى

النقابي الجنوبي/خاص
دراسة تكشف تأثير أنماط النوم والعمل الليلي على فعالية الخلايا المناعية
كشف موقع “The Conversation” الأسترالي عن أبحاث علمية حديثة تسلط الضوء على ما يُعرف بـ”اضطراب التوقيت الاجتماعي”، وهو حالة ناشئة نتيجة عدم توافق الساعة البيولوجية الداخلية مع الجدول الزمني الخارجي للفرد، خاصة في حالات السهر أو العمل في النوبات الليلية. ويحذر الخبراء من أن هذا الاضطراب قد يُحدث خللًا في إيقاع الجسم الطبيعي ويُضعف مناعته.
وأوضح الموقع أن اضطراب توقيت الساعة البيولوجية المرتبط بعدم انتظام النوم والتعرض المحدود لأشعة الشمس بات ظاهرة متنامية في أنماط الحياة الحديثة، حيث يرتبط بزيادة القابلية للعدوى وضعف أداء الجهاز المناعي. وتظهر البيانات أن تغيير الإيقاع اليومي، كما هو الحال في نظام العمل بالمناوبات، له آثار ملموسة على قدرة الجسم على مكافحة العدوى، ما يعزز فرضية أن الحفاظ على توقيت بيولوجي منضبط يساهم في تعزيز الصحة العامة.
وأشار التقرير إلى أن الإيقاعات اليومية ليست ميزة حصرية للبشر، بل هي سمة تطورية مشتركة تعود إلى أكثر من 2.5 مليار سنة، وتساعد الكائنات الحية على التكيف مع الدورة اليومية للضوء والظلام. وتُدار هذه الإيقاعات عبر “ساعة يومية” جينية متعددة المكونات، موجودة تقريبًا في كل خلية بالجسم، غير أن آلية عملها التفصيلية لا تزال تخضع للبحث.
واعتمد الباحثون في هذه الدراسة على استخدام سمك الزرد (Zebrafish)، وهو كائن نموذجي شفاف يُستخدم في الأبحاث البيولوجية نظرًا لتشابه جهازه المناعي مع الإنسان، مما يسهل تتبّع سلوك الخلايا المناعية تحت المجهر. وركزت الدراسة تحديدًا على خلايا “النيتروفيل” (الخلايا المتعادلة)، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء المتخصصة في مقاومة العدوى البكتيرية، وتُعد من أوائل الخلايا استجابة لأي اختراق بكتيري.
وأظهرت التجارب أن الاستجابة المناعية لهذه الخلايا تكون أكثر فاعلية خلال ساعات النهار، حين تكون الكائنات النهارية كالبشر وسمك الزرد في ذروة نشاطها. فقد تبيّن أن الخلايا المتعادلة تقتل البكتيريا بكفاءة أعلى في النهار مقارنة بالليل. والأهم من ذلك، أن تعطيل الساعة البيولوجية لدى هذه الخلايا أضعف من قدرتها على مقاومة العدوى، مما يشير إلى أن الخلايا نفسها مزودة بساعة داخلية تُحفزها على النشاط في توقيتات محددة من اليوم.
وأكد التقرير أن هذه النتائج تدعم الفرضية القائلة بأن الجهاز المناعي “يعرف” أنه الصباح عبر إشارات ضوئية تنظم ساعته البيولوجية، ما يُبرز أهمية التعرض المنتظم للضوء الطبيعي خلال النهار للحفاظ على صحة الإيقاع الداخلي.
وتفتح هذه النتائج آفاقًا جديدة لفهم العلاقة بين الإيقاع البيولوجي والصحة المناعية، وتُبرز مخاطر السلوكيات المعاصرة التي تقطع الصلة بين الإنسان وضوء النهار الطبيعي. كما تسلط الضوء على أهمية تطوير أنظمة عمل ونوم تراعي إيقاع الجسم البشري بدلاً من تجاهله، خاصة في بيئات العمل الليلي والمجتمعات الحضرية المعزولة عن الطبيعة.
وفي ظل ازدياد الاضطرابات المناعية عالميًا، قد يكون هذا الاكتشاف بمثابة جرس إنذار يعيد التذكير بأهمية “النهار” في دعم الحياة الصحية، ليس فقط كنور نراه، بل كمنبه داخلي يتحكم في وظائفنا الحيوية الأعمق.