اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

تحالف الظلال: كيف بنى الحوثيون قواعدهم الصاروخية في الصومال؟

تحقيق استقصائي – وحدة الرصد والتحليل/النقابي الجنوبي
إعداد: هشام صويلح

تقارير أممية وتحقيقات ميدانية تكشف خطورة التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب على أمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

استنادًا إلى ما كشفه تقرير نشرته مجلة “منبر الدفاع الإفريقي” مؤخرًا، عن تنامي التنسيق العملياتي بين جماعة الحوثيين في اليمن وحركة الشباب الإرهابية في الصومال، تتضح معالم تحالف خطير تتداخل فيه شبكات التهريب مع القواعد العسكرية الخفية، وتُعاد فيه هندسة الجغرافيا لخدمة الأجندات المسلحة في القرن الإفريقي والبحر الأحمر.

في هذا التحقيق، نستعرض أبرز ما ورد في التقرير الأصلي، ونتوسع بتحليل دقيق لمجموعة من التصريحات الميدانية والتقارير الأممية، مع تفكيك مسار تطور التحالف وتقييم مخاطره المتصاعدة.

في تطور يعكس تحوّل النزاعات المحلية إلى منظومة تهديدات عابرة للحدود، كشفت مجلة “منبر الدفاع الإفريقي” عن تحالف آخذ بالتعاظم بين جماعة الحوثيين في اليمن وحركة الشباب الإرهابية في الصومال. تحالفٌ يقوم على منافع متبادلة تتجاوز التقاء الأيديولوجيا إلى التقاء الغايات العملياتية: التوسع العسكري، وتعزيز خطوط التهريب، وتبادل الخبرات القتالية، وهو ما وصفه فريق أممي للمراقبة بأنه “تحالف نَفعي انتهازي، لا مذهبي”.

من التسلل البحري إلى التعاون العسكري

يبدو أن سواحل الصومال، بما فيها مناطق ولاية بونتلاند شمال شرقي البلاد، لم تعد فقط ممرات للتهريب، بل تحولت إلى منصات لوجستية تستخدمها جماعة الحوثيين في نقل الأسلحة والمعدات القادمة من إيران والصين، بغطاء محلي توفره حركة الشباب، التي تملك نفوذًا استخباراتيًا واسعًا على الساحل.

في هذا السياق، أكّد محللون في مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن هذه السواحل باتت “شريان حياة” للحوثيين، تُضخ عبرها الأسلحة والمعدات اللازمة لتطوير برامج الطائرات المسيّرة والصواريخ، فيما توفّر جماعة الحوثي بالمقابل تدريبًا عسكريًا لحركة الشباب، إلى جانب تزويدها بأنظمة متطورة، بينها صواريخ أرض-جو وطائرات مسيّرة مسلحة، بحسب تقارير أممية صادرة مطلع 2025.

قواعد الحوثيين في جبال جوليس.. معسكرات تتخفى خلف “الشباب”

تكشف المعلومات الواردة من تقارير محلية في بونتلاند، وكذلك شهادة الرائد عبدالرحمن ورسامي، القائد السابق للواء “دنب” الصومالي، عن وجود منشآت عسكرية حوثية سرّية في جبال “جوليس” بمحافظة سناج. في إحدى أكثر الإفادات إثارة، قال ورسامي إن الحوثيين أطلقوا صاروخًا تجريبيًا من منطقة “عيرجابو” إلى “تليح” بمدى يصل إلى 459 كم، مشيرًا إلى أن الجماعة تنفذ هذه الأنشطة متخفية تحت غطاء حركة الشباب لتفادي المقاومة الشعبية.

هذا التكتيك، الذي يمزج بين التمويه والاختراق المحلي، يكشف أن التحالف لا يقتصر على اللوجستيات، بل يشمل أيضًا تغلغلاً ميدانيًا مموهًا يثير أسئلة حول مدى معرفة أو تواطؤ بعض القيادات الميدانية في حركة الشباب مع هذا التمدد الحوثي.

التحقيق الأممي: شبكات التهريب والتدريب تتكامل بين القاعدة والحوثيين

تعمقت الخيوط أكثر عندما كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة في فبراير 2025 أن تنظيم “القاعدة في شجزيرة العرب”، الذي يُعد حليفًا تقليديًا لحركة الشباب، أرسل 12 عنصرًا من الصومال إلى اليمن لتلقي تدريبات على حرب المسيّرات ضمن معسكرات حوثية. كما أُطلقت تطبيقات اتصالات مشفّرة لتبادل الرسائل بين الطرفين، مما يُظهر تطورًا نوعيًا في التنسيق، خاصة في مجالات الحرب السيبرانية والتحكم عن بعد.

هذه المعلومات تطرح تساؤلات خطيرة حول احتمال انضمام شبكات أكثر تعقيدًا، ليس فقط بين الحوثيين وحركة الشباب، بل أيضًا مع أطراف ثالثة تسعى لاستخدام شرق إفريقيا كمنصة غير نظامية للعمليات المشتركة.

توسّع بحري وتهديد إقليمي.. هل نشهد نسخة بحرية من محور طهران؟

بحسب مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، فإن التحالف الحوثي–الشباب أدى إلى اتساع نفوذ الجماعتين في بحر العرب وغرب المحيط الهندي، وهو تطور “يزيد من خطر زعزعة الاستقرار الإقليمي”. ويضيف المركز أن “العمليات البحرية وحدها لم تعد كافية”، مشددًا على ضرورة تفكيك السيطرة البرية التي تحولت إلى منصات تمويل وهجمات بحرية وتطوير عسكري غير تقليدي.

إننا هنا أمام شكل جديد من التهديدات المركبة التي يصعب تصنيفها تقليديًا ضمن حروب الدول أو الجماعات، وإنما أقرب إلى محور ميداني غير رسمي يمتد من المرتفعات اليمنية إلى جبال الصومال وسواحل القرن الإفريقي.

تحالف بلا مذهب.. ولكنه ليس بلا هدف

اللافت أن كل ما سبق لا يقوم على أساس عقائدي أو مذهبي، بل على مصالح عملياتية واضحة، ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “تحالف نَفعي انتهازي”. فالحوثيون، ذوو التوجه الزيدي-الإيراني، يتحالفون مع السلفيين الجهاديين في حركة الشباب، في حالة من التناقض الأيديولوجي الذي تؤكده الوقائع وتفككه الحسابات الاستراتيجية.

هذا النوع من التحالفات يكشف أن الصراع في البحر الأحمر لم يعد قائمًا فقط على موانئ وسفن، بل يتسلل عبر الجبال والمخابئ والأسواق المحلية، ويتغذى على هشاشة الدولة، والثغرات الجغرافية، والانقسام السياسي في اليمن والصومال على حد سواء.

خاتمة تحليلية: عندما تتحول السواحل إلى ساحات حرب رمادية

في ضوء هذه المعطيات، فإن التحالف الحوثي–الصومالي يجب ألا يُنظر إليه كمجرد تقاطع تكتيكي مؤقت، بل كمؤشر على تحول نوعي في طبيعة الجماعات المسلحة في المنطقة، حيث تندمج الوظائف القتالية مع التهريب والتمويه والاتصالات الرقمية، لتشكل بنية هجينة عابرة للدول.

وإذا كانت العمليات البحرية عاجزة عن كسر هذا التحالف، فإن مواجهة التهديد تتطلب استراتيجية إقليمية شاملة، تبدأ من تفكيك القواعد البرية، مرورًا بملاحقة شبكات التدريب والتمويل، ولا تنتهي إلا بتجفيف البيئة السياسية والمجتمعية التي تسمح لهذه التحالفات بالازدهار.

زر الذهاب إلى الأعلى