فك ارتباط مستمر… الجنوب يبني دولته بإرادة شعبه

النقابي الجنوبي/تقرير/خاص
في كل عام، تحلّ ذكرى 21 مايو كعلامة فارقة في الوجدان الجنوبي، لا بوصفها لحظة سياسية عابرة، بل كنقطة انعطاف كبرى غيّرت مجرى الصراع مع مشروع وحدوي انهار سريعًا تحت وطأة الغدر والإقصاء. ففي مثل هذا اليوم من عام 1994، أعلن الجنوب فك ارتباطه بالشمال، رافضًا الاستمرار في شراكة اتضح أنها كانت غطاءً لاجتياح عسكري واستباحة ممنهجة، ومؤسسًا بذلك لوعي وطني جديد تجاوز منطق التبعية وواجه حقيقة الاحتلال.
خديعة الوحدة ووهم اليمننة
الكاتب السياسي صالح علي الدويل يصف هذه الذكرى بأنها تتويج لتراكم طويل من الخديعة، ويقول: “لم تكن الوحدة سوى غلاف مزيّف لاحتلال منظم، وما حدث منذ 1990 لم يكن توحيدًا بل ضمًّا وإلحاقًا مغلفًا بفتاوى تكفيرية وتغوّل عسكري قبَلي”. ويضيف بأن الجنوب دخل الوحدة ككيان كامل السيادة، لكنه خرج منها كفرع مُلحَق، في سياق مشروع “يمننة” لم يحقق شيئًا سوى النهب والتمييز الممنهج.
ويعتبر الدويل أن هذه المنظومة وصلت اليوم إلى ما يسميه “المرحلة التعزية”، في إشارة إلى سلطة رشاد العليمي، التي تستخدم “حرب الخدمات” لإخضاع الجنوب وكسر إرادته”.
من فك الارتباط إلى بناء الوعي المقاوم
أما الناشط السياسي عادل العبيدي فيرى أن 21 مايو لم يكن لحظة هروب من صراع، بل لحظة انفجار وعي. يقول: “لم يأت إعلان فك الارتباط من فراغ، بل جاء بعد خيانة عميقة لمشروع قومي آمن به الجنوبيون”. ويؤكد أن ما سُمّيت “وحدة” لم تكن سوى بداية لاجتياح دموي وإقصاء منهجي.
ويضيف: “الفتاوى التي أباحت دم الجنوبيين كانت هي الترجمة الحقيقية لمشروع الشمال، وبالتالي فإن العودة إلى الحق كانت ضرورة، لا خيارًا عاطفيًا”. بالنسبة له، فإن ذلك الإعلان لم يكن نهاية مرحلة بل انطلاقة لزمن جديد عنوانه الدفاع عن القرار الجنوبي، والرفض الصارم لأي مشاريع تنتقص من السيادة أو الهوية.
مشروع الدولة الجنوبية: من الحلم إلى الواقع
الدكتور صدام عبدالله يضع الذكرى في سياق استراتيجي، معتبرًا إياها “نقطة وعي فارقة كشفت باكرًا زيف الوحدة ومآلاتها الكارثية”. وبرأيه، فإن الجنوب لم يتراجع أمام الانكسارات، بل حوّلها إلى وقود لحركة وطنية ناضجة، ظهرت اليوم في صورة المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي.
ويرى صدام أن الجنوب تجاوز مرحلة “رد الفعل” إلى مرحلة “صناعة البديل”، ويؤكد أن “العالم اليوم يعترف بقضية الجنوب، وصوتها بات مسموعًا في المحافل الدولية”. ويحذر من أن “أي حلول تتجاوز إرادة شعب الجنوب محكوم عليها بالفشل، لأن مشروع الدولة بات خيارًا لا تراجع عنه”.
هوية لا تُساوَم ودماء ترسم الطريق
من جانبه، يذهب الأكاديمي الدكتور أمين العلياني إلى البُعد الرمزي العميق لهذا اليوم، ويقول: “في 21 مايو 1994، ارتفع صوت الجنوب عاليًا رافضًا الذوبان في مشروع قهري، لم يُنتج إلا المزيد من القهر والإقصاء”. ويشدد على أن إعلان فك الارتباط لم يكن انسحابًا، بل “تجديدًا للعهد مع الأرض والهوية والدماء التي روت هذه الأرض”.
ويضيف: “لن يُلدغ الجنوب من ذات الجحر مرتين، والخارطة اليوم مرسومة بدماء الشهداء وصمود الشعب ووحدة صفه، وهذه الثلاثية هي صمام أمان التحرير وبناء الدولة”.
حرب الخدمات… سلاح يائس
يعود الدويل للتحذير من الممارسات الاقتصادية التي تُستخدم كورقة ضغط ضد الجنوب. يقول: “من يراهن على تجويع عدن لإخضاعها فهو واهم، لأن الحقد الشعبي بلغ مرحلة الانفجار التلقائي، ولم تعد الجماهير تنتظر توجيهًا سياسيًا لتثور”.
ويصف هذه السياسات بأنها امتداد للعقلية ذاتها التي أنتجت حرب 1994، مضيفًا أن الجنوب “لا يُقايض الخدمات بالكرامة، ولا يقبل باستمرار الاحتلال”.
ما بعد الذكرى… سؤال المصير
ليست ذكرى 21 مايو مناسبة للاحتفال فقط، بل لحظة تأمل في مسار طويل من التضحيات. إنها سؤال مفتوح على المستقبل: هل آن أوان القرار الجنوبي الحاسم؟ فالواقع يقول إن مشروع اليمننة تآكل، ولم يتبقّ منه سوى قشرة سياسية لم تعد تقنع أحدًا، فيما الجنوب اليوم أكثر وعيًا وتماسكًا من أي وقت مضى.
إنّ الجنوب الذي أعلن فك ارتباطه قبل 31 عامًا، لا يمكن أن يعود إلى الوراء. فالتاريخ علّمه، والتضحيات حررته من الوهم. وما بقي الآن هو أن تتحوّل الإرادة إلى سيادة، والصوت إلى دولة كاملة القرار.