فضيحة طبية تهز تعز اليمنية ..خصية مفقودة وملف صامت جراحة تثير شبهة الاتجار باستئصال خصية مريض دون علمه

النقابي الجنوبي/تحقيق/خاص
في حادثة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الطبية والحقوقية بمدينة تعز، كشف المواطن “أحمد محمد غالب” عن تفاصيل ما وصفه بـ”الصدمة الصحية والإنسانية الكبرى” التي تعرض لها عقب خضوعه لعملية جراحية بمستشفى الثورة العام عام 2019، لعلاج فتق في البطن، انتهت باستئصال إحدى خصيتيه دون علمه أو موافقته.
وقدّم المواطن شكوى رسمية إلى إدارة المستشفى، تتضمن تفاصيل الواقعة التي قال إنها شكّلت صدمة نفسية حادة له، موضحًا أنه خضع للعملية تحت إشراف أحد الأطباء الاستشاريين دون أن يتم إبلاغه بأي مضاعفات أو تدخلات إضافية تتضمن استئصالًا. وأشار إلى أنه لم يشعر حينها بأي أعراض واضحة بعد العملية، إلا أنه في عام 2022، وخلال مراجعة طبية لأسباب صحية طارئة، اكتشف ما لم يكن يتخيله.
اكتشاف متأخر وصمت رسمي
بحسب الشكوى، خضع المواطن لفحوصات طبية مكثفة في مستشفيات خاصة وأخرى حكومية، بما فيها المستشفى العسكري بتعز، كشفت عن غياب الخصية اليسرى بشكل كامل، وهو ما أكد له أحد الأطباء لاحقًا، موضحًا أن الاستئصال تم خلال العملية التي أجريت قبل ثلاث سنوات.
وأكد أحمد غالب أن الإجراء لم يكن ضمن المخطط العلاجي، وأنه لم يُمنح أي معلومات أو توقيعات تفيد بموافقته على مثل هذا النوع من العمليات، ما اعتبره “تعديًا فاضحًا على حقوقه الطبية والإنسانية”، مطالبًا بفتح تحقيق رسمي وشفاف ومحاسبة كل من يثبت تورطه.
وفي تصريحاته لوسائل إعلام محلية، أعرب غالب عن صدمته الشديدة من “السكوت الطبي المتعمد”، ملمحًا إلى وجود احتمال لتورط بعض العاملين في تجارة الأعضاء أو تستر على أخطاء جسيمة، مؤكدًا أن كشف الحقيقة بات ضرورة إنسانية قبل أن تكون قانونية.
ردود فعل غاضبة وتحقيق داخلي
انتشرت تفاصيل الواقعة بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر ناشطون حقوقيون ومواطنون عن غضبهم، مطالبين بالتحقيق الفوري، ومعتبرين ما حدث “جريمة طبية مكتملة الأركان”، وليست مجرد خطأ إجرائي.
وكتب أحد النشطاء: “إذا صحّت هذه الحادثة، فإننا أمام كارثة أخلاقية تمس شرف المهنة وتتطلب محاكمة لا تحقيقًا إداريًا فقط”. فيما دعا آخر إلى ضرورة تدخل النيابة العامة ووزارة الصحة، مؤكدًا أن القضية لا تخص المريض وحده، بل تمس كل مواطن قد يكون عرضة للإهمال أو العبث بجسده في المستشفيات الحكومية.
من جانبها، أكدت مصادر طبية من داخل مستشفى الثورة أن الإدارة بدأت فعليًا بإعداد تقرير طبي داخلي حول الحادثة، بالتنسيق مع لجنة طبية مستقلة، ولم يصدر حتى الآن أي بيان رسمي مكتوب، غير أن مصادر مطلعة أكدت وجود متابعة مباشرة من إدارة المستشفى.
موقف الأطباء والنقابات.. وأزمة ثقة
ورغم أن النقابة الطبية في محافظة تعز ووزارة الصحة لم تصدرا حتى اللحظة أي موقف رسمي أو توضيح للرأي العام، فإن عدداً من الأطباء أعربوا عن استنكارهم الشديد لما حدث، مؤكدين ضرورة تفعيل الرقابة الطبية الداخلية وتشديد آليات المحاسبة.
وقال طبيب جراح –طلب عدم كشف هويته– إن مثل هذه الحوادث لا يمكن أن تمر دون تحقيق معمق ومحاسبة، خصوصًا في ظل غياب الثقة بين المرضى والمنظومة الصحية الرسمية. وأضاف: “الإجراءات الجراحية يجب أن تُبنى على موافقة واضحة وصريحة ومعلومة سابقة، وأي استثناء يجب أن يوثق بدقة لأغراض طبية وقانونية”.
في السياق ذاته، طالب ناشطون بتمكين المريض من الاطلاع على ملفه الطبي الكامل، وفتح المجال أمام لجنة مستقلة من خارج المستشفى لفحص تفاصيل العملية، في ظل اتهامات متصاعدة بمحاولات تستر أو طمس للحقائق.
خلفية حقوقية: بين الأخطاء الطبية والجرائم الجسدية
يؤكد خبراء قانونيون أن الحادثة، إذا ثبتت تفاصيلها كما وردت في الشكوى، قد تندرج ضمن الجرائم الجسدية، خصوصًا إذا لم يكن هناك ما يبرر طبياً استئصال الخصية، أو إذا ثبت الإجراء دون إذن مسبق، ما قد يصنف ضمن “الإيذاء العمدي” أو حتى في بعض الحالات “الاعتداء على السلامة الجسدية”.
ويقول محامٍ متخصص في قضايا الأخطاء الطبية: “هناك فرق قانوني بين الخطأ الطبي الناتج عن اجتهاد غير مقصود، وبين الإجراء الجراحي غير المصرّح به، خصوصًا إذا كانت له آثار دائمة أو يغيّر من التركيبة الجسدية للمريض”. وأضاف أن القانون اليمني لا يغطي بوضوح بعض الجوانب المرتبطة بالشفافية الطبية، ما يجعل مثل هذه القضايا تتداخل بين الطبي والجنائي.
واقع القطاع الصحي في تعز.. بيئة خصبة للفوضى
تأتي هذه الحادثة في سياق تدهور ملحوظ في جودة الخدمات الصحية بمحافظة تعز، في ظل الحرب الممتدة منذ سنوات، وضعف الرقابة، وقلة الموارد، وغياب المعايير المهنية في بعض المستشفيات الحكومية. ويشتكي كثير من المواطنين من غياب الرقابة المحاسبية على الكادر الطبي، وانعدام الشفافية في الإجراءات الجراحية.
كما تعاني مستشفيات تعز من نقص في الكادر المؤهل وتضارب في المسؤوليات، الأمر الذي يجعل بيئة العمل عرضة للأخطاء المتكررة أو حتى الممارسات غير المشروعة، بحسب تقارير محلية سابقة.
خاتمة وتحذير
بين الألم الشخصي الذي يعانيه أحمد غالب، والغضب المجتمعي المتصاعد، تبرز قضية مستشفى الثورة في تعز كاختبار حقيقي لجدية السلطات الصحية والعدلية في إنصاف المواطنين، ووضع حد للتجاوزات الطبية. وفيما لا تزال التحقيقات جارية، فإن الرأي العام المحلي ينتظر موقفًا شفافًا من الجهات المعنية، وإجراءات تضمن ألا تتحول أجساد المرضى إلى ضحية صمت أو تهاون أو فساد مستتر.