نصيحة أخيرة قبل الموت، ولا تنسوا الاشتراك في القناة

علي محمد سيقلي
في ساحة القصاص، حيث الموت يتهيّأ للنزول من عنقه إلى قدميه، يظهر مراسل متحمّس ببزة إعلامية مشدودة وحامل ميكروفونه كمن يحمل مسبحة في جنازة، يقترب من “المحكوم عليه” الذي بالكاد يقف من هول الرعب، ليسأله بسذاجة..
“ماذا تقول للشباب المستهتر؟ وهل لديك نصيحة أخيرة لتقابل بها ربك بعد دقيقة من الآن؟”
وكأن الرجل على وشك السفر إلى كوكب المريخ لا إلى عالم الغيب، وكأن الرصاصة موصولة بالبلوتوث تخرج من فوهة الكلاشينكوف على شكل رسالة وعظية إلى هذا الجيل المنكوب.
لا أحد يسأل، لماذا أصبح الموت مناسبة إعلامية؟ لماذا تحوّلت لحظة العدالة المفترضة إلى موسم تصفية حسابات نفسية، ولقطات قابلة للمونتاج، واستهانة مقصودة للكرامة البشرية؟
حتى الموت صار يطلّ علينا بوجه HD، وهو يصرخ، لا تنسوا الاشتراك وتفعيل الجرس.
ثم يظهر المذيع على الهواء ومن منصة الإستمتاع بالمشهد، ويقول بجدية مسرحية، “لقد كانت لحظة إنسانية مؤثرة!”
يا رجل إنت خليت فيها إنسانية؟!!
عن أي إنسانية تتحدث يا صديقي، وأنت تسحب العبرة من حنجرة المحكوم عليه بالم وت؟
أين ذهب ذلك الاحترام الفطري للميت، وأنت تصر على سحب التصريح من فم يحتضر؟
أيها السادة الإعلاميون،
الموت لا يحتاج إلى تقرير ميداني، ولا صوت خارجي، ولا كليب مؤثر مع موسيقى حزينة.
الموت يحتاج فقط إلى صمت، إلى هيبة، إلى ابتعاد الكاميرا قليلاً كي لا تصطدم بوجه الحقيقة.
أما أنتم أيها ال youtubers فاتركوا الناس تموت بكرامة، ودعوا المايكرفونات تستريح قليلاً، فالميت لن يعقد مؤتمرًا صحفيًا. وساحة الموت ليست موسم تصريحات ومواعظ.