اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

ارتفاع أسعار الأسماك واختفاءه من الأسواق المحلية وعلاقته بمصانع طحن الأسماك

النقابي الجنوبي/خاص

تزخر بلادنا بثروة بحرية هائلة غنية بالمخزون السمكي الذي يفيض عن الحاجة المحلية إلى التصدير الخارجي الذي يسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني كما نمتلك سواحل تمتد إلى أكثر من 2000 كيلو متر وإنتاج ما يقرب من 450 نوعًا من القطاع السمكي بحيث يشكل قيمة غذائية عالية الجودة تضاهي الذهب الأسود في إنتاجه وكنزًا وطنيًا ثمينًا في جودته تم إهداره وإغفاله عن قطاع الاستثمارات حتى يتم الإستفادة من زيادة الإنتاج السمكي بما يدعم رعاية الأحياء البحرية.

يواجه القطاع السمكي تحديات جمة أهمها نفوق الكائنات البحرية على السواحل بسبب الجرف العشوائي والتلوث البيئي البحري نتيجة مخلفات البر وتصريف مخلفات الصرف الصحي إلى البحر كما حدث في ساحل عدن وأبين وكذا ملوثات المخلفات الزراعية والصناعية الأمر الذي انعكس سلبًا على فئتي الصيادين والمستهلكين في ظل غياب رقابة حقيقية للدولة وانعدام المحاسبة وعدم اكتراث الحكومة بتطبيق نظام المتابعة سواء على الشواطئ أو السواحل والمياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية في البحر ومتابعة السفن التي تلوث المياه البحرية وحجزها ومعاقبتها وفرض الغرامات المتعارف عليها.

رغم الثراء الذي تشهده بلادنا في الانتاج السمكي إلا أن مراكز بيع الأسماك – أسواق الحراج – في العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية تعاني ندرة في المعروض السمكي يلمس أثرها المواطن عجزا في شراء الاحتياج اليومي من الأسماك نظرا للإرتفاع المهول في أسعارها والذي تجاوز السقف الاعتيادي بأضعاف مخيفة.

تحليلا لما يدور في كواليس مصانع طحن الأسماك وأثره على المجتمع يتساءل المواطن أين يذهب مخزون الثروة السمكية وماهي أسباب اختفاءه من الأسواق المحلية؟ ومن يقف خلف افتعال أزمة توفير الأسماك وارتفاع أسعارها؟

يُرجع البعض تلك الإرتفاعات الخيالية التي لم يعهدها المواطن من قبل في أسعار الأسماك في الأسواق المحلية في العاصمة عدن إلى جملة من المعطيات منها ما تمارسه مصانع طحن الأسماك التي أنشأها مجموعة من المتنفذين في محافظتي حضرموت والمهرة بدء من العام (2019 – 2021) من عمل اتصف بالتبذير استنزف الثروة السمكية التي تتمتع بها بلادنا حيث تصل الطاقة الإنتاجية القصوى لهذه المصانع (1600 طن) في اليوم بما معنى أن هذه المصانع تستطيع طحن ضعف الإنتاج السنوي لبلادنا من الأسماك لإشباع أطماعها.

وأعلن رئيس هيئة المصائد البحرية بعدن أن جميع مصانع طحن الأسماك في محافظتي حضرموت والمهرة غير قانونية لم تمنح لها وزارة الزراعة والثروة السمكية تراخيص رسمية.

وحذّر العديد من المهتمين بالشأن السمكي من خطورة إنتشار مصانع طحن الأسماك التي يقف خلفها نافذين استغلوا الأوضاع التي تَمر بها البلاد ما نتج عنه إهدار للثروة السمكية وشحة الإنزال السمكي في مراكز البيع بالجملة والتجزئة في الأسواق المحلية بحيث أصبحت بعيدا عن متناول عامة السكان نظرا لارتفاع كلفتها وصار المواطن عاجزا عن شراءها.

نجد حكومات الدول الأخرى عمدت إلى إنشاء مصانع طحن مخلفات تعليب الأسماك بطاقة إنتاجية مقبولة من خلال هرس مخلفات الأسماك مثل الرؤوس والاحشاء واستخراج زيت السمك منها أو تحويلها إلى أعلاف لتغذية الحيوانات أو مزارع تربية الأسماك حفاظا على البيئة والاستفادة من مخلفات الأسماك فيما منعت أي مصانع بطاقة إنتاجية كبيرة أما مصانع الطحن الموجودة لدينا تزاول مهنة ابتلاع الثروة السمكية وتتبنى عملية تصديرها إلى خارج حدود الدولة فغالبية مصانع الطحن التي تزايدت اعدادها مُؤخراً حتى بلغت نحو أحد عشر مصنعاً خاصاً لطحن السمك وكان الغرض من إنشاءها هو طحن صغار الأسماك خاصة الساردين والجدب والتي يتم إصطيادها من قبل بعض الصيادين وبيعها لمندوبي تلك المصانع المنتشرين في مراكز الإنزال السمكي.

مخاطر مصانع طحن الأسماك الذي تنامى أعدادها وتأثيراتها طاردت مواطني المحافظات الجنوبية بشكل مباشر خاصة الفئات المعدمة لاختفاء وجبة السمك عن قائمة مأكولاتهم اليومية خاصة (التمد) عقب ارتفاع سعر الكيلوغرام الواحد منها في الأسواق المحلية بسبب شِحّة المعروض نتيجة تناقص اعدادها في مياهنا الإقليمية نتيجة اصطياد سمك السردين والجدب الذي يتغذى عليها سمك التونة وبيعها لمصانع طحن الأسماك مما جعل أسماك التونة (الثمد) تُهاجر إلى بحار أُخرى للبحث عن طعامها الذي ابتلعته شباك الصيادين لتُغذي به آلات طحن الأسماك.

كما أفضت مصانع طحن الأسماك إلى أضرار اقتصادية تسببت باستنزاف الثروة السمكية بشكل مجحف واختفاء بعض الأسماك بسبب الكميات الهائلة التي يتم صيدها لطحنها إضافة إلى أضرار بيئية من خلال ما تنفذه مصانع طحن الأسماك من تفريغ المخلفات عبر أنابيب تمتد من المصنع إلى قرب الساحل مما يؤثر على الأحياء البحرية وينجم عنه تلوث بيئي تصل روائحها الخطيرة إلى الأحياء السكنية.

إلى ذلك تطلق المصانع أدخنة سامة ناجمة عن عملية الاحتراق ما يؤثر على الهواء ويحدث تلوث في الوسط البيئي وكذا تؤدي روائح دقيق السمك بعد طحنه إلى أمراض، كالربو والالتهابات التنفسية والحساسية في الأنف والعينين والتهابات أكزيما الجلد، والمعدة والأمعاء وحرقة البلعوم.

وتلبية لحاجة المواطن وتفاعلا مع المطالب الشعبية بإيقاف عمل مصانع طحن الأسماك وإغلاقها اصدر وزير الزراعة والري والثروة السمكية اللواء/ سالم عبدالله السقطري القرار الوزاري رقم (23) لعام 2024م _ بشأن منع أقامة أو أنشاء أية مصانع خاصة لطحن الأسماك، وتوقيف مصانع الطحن الموجودة في محافظتي، حضرموت، المهرة وتنظيم تصدير منتجات مسحوق وزيت الأسماك الناتجة عن هذه المصانع قبل صدور هذا القرار، وتصدير النسبة المسموح بها بموجب هذا القرار وفقآ للقانون.

 ووجه الوزير السقطري القرار للتنفيذ إلى المعنيين بالأمر رؤوساء الهيئة العامة للمصائد السمكية في خليج عدن والبحر الأحمر والبحر العربي والمهرة بإيقاف العمل في المصانع الموجوة حاليا وكذا الجديدة ومنع منح تراخيص انشاء مصانع أخرى لطحن الأسماك، أو أية تصاريح مزاولة لها، إلا بعد أخد الموافقة من وزارة الزراعة والري والثروة السمكية باعتبارها الجهة المعنية بالامر.

ويأتي قرار وزير الزراعة والري والثروة السمكية بناء على توجيهات رئيس الوزراء د. أحمد عوض بن مبارك باقرار أيقاف مصانع طحن الأسماك في محافظتي حضرموت والمهرة، عطفا على مذكرة الوزير السقطري حول تنظيم تصدير منتجات مسحوق وزيت الأسماك الناتجة عن المصانع وتصدير النسبة المسموح بها بموجب القانون، كخطوة تهدف إلى حماية الثروة السمكية، وتأمين السوق المحلي بالكميات الكافية من الأسماك الطازجة.

في ضوء ذلك قال غازي أحمد لحمر وكيل وزارة الزراعة والري والثروة السمكية لقطاع خدمات الإنتاج والتسويق السمكي رئيس اللجنة الوزارية في القطاع السمكي إلى محافظتي حضرموت والمهرة المكلفة بالنزول الميداني إلى المنشآت السمكية يعمل في مجال الصيد أكثر من 100 ألف صياد ويمتلكون أكثر من 33 ألف قارب صيد لكن معظم الصيادين يستخدمون الطرق التقليدية للاصطياد في الوقت الراهن بسبب الحرب وضعف البنية التحتية في هذا المجال.

تحدث لحمر عن الحلول التي وضعتها الوزارة لتكون الأسعار في متناول الجميع من خلال جملة من الاشتراطات وضعتها الوزارة لاستقرار السوق المحلية منها وقف تصدير بعض أنواع الأسماك المرغوب فيها محليا مؤقتا منها التونة والتمد والجحش والباغة بالإضافة إلى تطبيق شروط التصدير بموجب القانون ولائحة الصادرات بخاصة التكافؤ والتوازن بين السوق المحلية والتصدير الخارجي.

ويرى خبراء البيئة والباحثين في علوم البحار أن كل المشاريع المتعلقة بمعالجة النفايات الصلبة أو البيولوجية في البر للمحافظة على البحر والكائنات البحرية غير متواجدة وإن تواجدت فهي فاسدة بسبب الأدوات الموجودة أو الفساد المتواجدين في الإدارات الحكومية والجهات المختصة.

ويرى خبراء البيئة وجوب تطبيق فترات الراحة البحرية التي تعطي البيئة البحرية عملية التجدد والراحة وتركها للتجديد سواء للأسماك والكائنات البحرية أو النباتات البحرية المختلفة ويجب توعية الصيادين بأهمية البيئة البحرية والثروة السمكية والحفاظ عليها سواء من الملوثات أو من وسائل الصيد الخاطئة.

زر الذهاب إلى الأعلى