وما لا يكون… كيف كان يكون.. اليمن بين ما لم يحدث… وما لا يُسمح له أن يحدث

بقلم: د. فيروز الولي
هناك دول تتعثّر لأنها لم تُمنح الفرص،
ودول تُمنح الفرص فتفشل في اغتنام حتى الفشل نفسه،
ثم هناك اليمن…
بلد لا يحتاج إلى فرصة ليضيّعها،
لأن “الفُرصة” في الأصل تهرب قبل أن تُمسك بها السلطة أو المجتمع أو حتى العقل الجمعي.
في اليمن، الأشياء لا تحدث بالترتيب الطبيعي،
وما يجب أن يكون… لا يكون،
وما لا يجب أن يكون… يُفرض بالقوة،
وما لم يولد بعد… يشيخ قبل أن يخرج من رحم القرار.
ولهذا نقول بسخرية لاذعة، ووجع يعرف الضحك جيدًا:
«وما لا يكون… كيف كان يكون؟»
التحليل النفسي: بلد يعيش على “كان ممكن… بس ما حصلش”
اليمن يعاني من “متلازمة كان يمكن”:
كان يمكن أن يكون بلدًا طبيعياً…
كان يمكن أن يبني دولة…
كان يمكن أن يتجاوز عقدته التاريخية مع ذاته…
لكن النفسية السياسية والاجتماعية تُفضّل الألم على الاستقرار،
والعاطفة على المنطق،
والشخص على المؤسسة.
بلد يرفض السيئ… لكنه لا يقبل الجيد.
يريد التغيير… لكنه يخاف نتائجه.
يحب البطولة… لكنه يتوجّس من صاحب الكفاءة.
اجتماعيًا: مجتمع يصنع البدائل بدل أن يصنع الدولة
اليمنيون شعب عبقري في التكيّف:
– غابت الكهرباء: صنعوا بدائل.
– اختفت الدولة: اخترعوا 20 دولة صغيرة.
– انقطعت الرواتب: لم يتوقفوا عن العمل.
– ماتت الخدمات: عاشت “الفزعة”.
لكن المشكلة أن “البدائل” تحوّلت إلى نظام حياة،
فصار ما يجب أن يكون… ممنوع يكون،
وما يفترض أن يتوقف… أصبح مقدسًا.
ثقافيًا: تراث عظيم يُستخدم لصناعة أوهام صغيرة
بدل تحويل الثقافة اليمنية إلى مشروع وطني،
تحوّلت إلى فلكلور يُستدعى عند الحاجة،
وإلى زوامل تُستخدم بدل الجامعات،
وإلى تاريخ يُستحضر فقط عند البحث عن مبرر للفشل.
السؤال الذي لا يريد أحد أن يسمعه:
كيف كان يمكن أن تكون اليمن لو أن الثقافة صارت محركًا لا شعارًا؟
اقتصاديًا: ثروة تتبخر بلا حرارة
اقتصاد بلد قادر على إطعام نصف المنطقة،
لكنّه اليوم يعتمد على الصدفة، والمساعدات، وحسن النية الإقليمي.
الغاز موجود… لكنه ليس موجودًا.
الزراعة موجودة… لكنها ليست موجودة.
الموانئ موجودة… لكنها ليست موجودة.
بلد ثرواته تعمل نظام “أونلاين”… والناس تعمل “أوفلاين”.
اقتصاد كان يمكن أن يصبح عملاقًا،
لكنه قرّر أن يكون لغزًا في كتاب فاشل بعنوان:
“كيف تخسر كل شيء دون أن تمتلك شيئًا؟”
عسكريًا: قوة كثيرة… اتجاه واحد مفقود
السلاح موجود أكثر مما يوجد الأمل.
الرجال موجودون.
القدرات موجودة.
والجيش… موجود بعدة تعريفات.
أما الجيش الحقيقي الذي يحتاجه بلد بأكمله؟
فهو مُسجَّل في قائمة “ما لا يكون”.
وكأن اليمن يسأل نفسه:
لو وُجد جيش واحد… هل تتعطل مصالح من يحبّون الفوضى؟
والجواب: نعم. ولهذا لا يكون.
دبلوماسيًا: حضورٌ بلا حضور
دبلوماسية اليمن تشبه بريدًا قديمًا:
الرسائل ترسل… ولا تُفتح.
السفراء يعينون… ولا يظهرون.
والبلد موجود… لكن دون صوت.
في عالم يُقاس فيه النفوذ بالمنطق والوزن لا بالبيانات،
اليمن مجرد ضيف دائم على طاولة “التمنيات”.
سياسيًا: دولة لم تُمنع من الوجود… بل مُنعت من الاكتمال
السياسة اليمنية لا تنتج دولًا،
بل تنتج أشخاصًا، رموزًا، شِللًا، تحالفات عابرة،
وتنتج فوق ذلك:
أسبابًا جديدة لعدم حدوث ما يجب أن يكون.
كأن السلطة تقول للشعب كل صباح:
“لا تقلقوا… سنكرر الأخطاء حتى تتعودوا عليها”.
الخاتمة
وما لا يكون… آن له أن يكون
اليمن ليس بلدًا بلا فرصة،
بل بلد يرفض فرصته كلما اقتربت منه.
وهذه هي الحقيقة التي يجب مواجهتها دون تجميل:
لن يتغير شيء… ما دام كل طرف يستفيد من بقاء كل شيء كما هو.
لكن المخرج موجود، صغير، بسيط، مباشر،
وربما لهذا السبب… يخشاه الجميع:
الرؤية للخروج من المعضلة:
1. إعادة تعريف الدولة كقانون… لا كجماعة أو قائد أو منطقة.
2. جيش واحد… لا جيوش بواجهات مختلفة تلبس نفس الزي.
3. اقتصاد إنتاج… لا اقتصاد انتظار للمنح.
4. ثقافة تُبني بها العقول… لا تُستخدم كإعلان سياسي.
5. مجتمع يعترف أن مصلحته في وحدته… لا في تعدد قبائله السياسية.
6. دبلوماسية تُدار بعقل دولة… لا بعقل مكاتب تبحث عن صورة في مؤتمر.
7. سياسة تقوم على الكفاءة… لا على التنازلات لمن يشغلون الكراسي.
عندما يحدث هذا… ولو بنسبة 30% فقط،
سينتهي عصر السؤال الساخر:
«وما لا يكون… كيف كان يكون؟»
وسنبدأ عصر السؤال الأعمق:
“ما الذي سيصبح… عندما نقرر أن نكون؟”
وعندها… فقط عندها،
سيبدأ اليمن بالخروج من نفق صنعه بيديه،
وسيدخل زمنًا يستحقه…
لا الزمن الذي أُجبر على العيش فيه.