الزُبيدي يعيد رسم ملامح المشهد السياسي بين اليمن الأعلى واليمن الأسفل وارتباطه بالجنوب العربي

النقابي/عبدالفتاح فريد السقلدي _متابعات سياسية
قدّم الرئيس القائد عيدروس الزبيدي خلال مقابلته الأخيرة على قناة «الحرة» الأمريكية رؤية سياسية استثنائية أعادت رسم ملامح المشهد اليمني. في هذه المقابلة، طرح الزبيدي فكرة ضم تعز ومأرب إلى الجنوب العربي ومنحهما حكمًا إقليميًا ذاتيًا، خطوة أعادت فتح ملفات قديمة ووضعت كثيرًا من أوراق القوى التقليدية على الطاولة، وأثارت اهتمام المتابعين لصياغتها حلولًا عملية للتوازن بين اليمن الأعلى واليمن الأسفل.
هذا الطرح لم يكن معزولًا عن سياق التاريخ السياسي اليمني. منذ ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، مارست قوى الهضبة الزيدية نفوذًا واسعًا على المناطق الشمالية، إلى درجة أن الجمهورية باتت في كثير من الممارسات غطاءً لهيمنة تقليدية استمرت بصيغٍ مختلفة. وتركزت آثار هذه الهيمنة بشكل واضح على اليمن الأسفل، مما دفع أعدادًا كبيرة للهجرة أو الانخراط في الحياة الاجتماعية والسياسية في الجنوب، مؤثرين بذلك في توازن القوى هناك.
في مقابلته، كشف الزبيدي عن روابط غير مرئية بين مواقف قوى الإخوان والأحزاب الموالية لها المهيمنة على الشرعية اليمنية من جهة، وسلطة المركز الزيدي في صنعاء ممثّلة بالحوثيين من جهة أخرى. هذا الكشف أعاد الكرة إلى ساحة القوى الاجتماعية والوطنية في اليمن الأسفل، وربطه بشكل صريح بما جرى في حقبة الاحتلال الجنوبي عام 1994، موضحًا أن الصراع السياسي في اليمن ليس مجرد نزاع على مواقع سلطة، بل جزء من إرث طويل للهيمنة والتداخل بين القوى الشمالية والجنوبيين.
لم يقتصر موقف الزبيدي على الشجب أو الخطاب الرمزي، بل قدّم رؤية استراتيجية لإعادة التوازن بين اليمن الأعلى واليمن الأسفل، مؤكّدًا أن المجتمعات في اليمن الأسفل تستحق حقها في تقرير المصير وبناء مؤسسات تمثلها بصدق، بعيدًا عن الهيمنة التقليدية والولاءات العقائدية الضيقة.
لقد وضع الزبيدي القوى الاجتماعية والوطنية في اليمن الأسفل أمام مسؤولية مباشرة، داعيًا إياهم لتحمل مسؤوليتهم التاريخية والمشاركة بفاعلية في إعادة رسم مستقبل مناطقهم وبناء مؤسسات قوية ومستقلة. هذه الدعوة ليست مجرد خطاب تحفيزي، بل تجسيد لرؤية عملية لكيفية تحويل الطرح السياسي إلى واقع ملموس يعزز استقلالية القوى الشعبية وقدرتها على اتخاذ القرار.
الدرس السياسي الأكبر الذي قدمه الزبيدي يكمن في أن التحليل العميق للواقع السياسي وتاريخ الهيمنة يمكن أن يتحول إلى خيارات عملية على الأرض. من خلال طرحه ضم تعز ومأرب إلى الجنوب ومنحهما حكمًا إقليميًا ذاتيًا، أبرز الزبيدي أن القوى الاجتماعية والوطنية في اليمن الأسفل لديها فرصة حقيقية لتجاوز العقبات التقليدية والمشاركة بفعالية في صياغة مستقبل مناطقها، وتحويل الطرح السياسي إلى واقع ملموس يعزز استقلاليتها وقدرتها على اتخاذ القرار.
وفي هذا السياق، يطرح السؤال نفسه: هل ستلتقط القوى الوطنية في تعز ومأرب وبقية مناطق اليمن الأسفل الفرصة وتعلن ثورتها لتحرير مناطقها من الاحتلال الحوثي الزيدي المدعوم من إيران؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل اليمن الأسفل، وتشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة القوى الشعبية على الانعتاق من الهيمنة التاريخية وإعادة رسم خارطة القوى الوطنية على الأرض.