الجنوب بين خناجر الأمس واليوم

كتب د. عبدالرزاق عبدالله أحمد البكري.
باحث سياسي وأكاديمي.
لقد آن الأوان أن نقولها بالفم الملآن: الجنوب لم يعد يحتمل مزيداً من الطعنات في خاصرته ولا مزيداً من العبث بمستقبله وعقول أبنائه. بالأمس ذُبح الجنوب في عدن بخناجر الحجرية من تعز تحت شعارات “الإصلاح” و”التقدم” و”الازدهار”، والخطوة التصحيحية لمن يتذكرها، ومن تعز الحجرية خُدع الجنوبيون بتلك الخناجر المسمومة وهي تتخفى خلف اللافتات السياسية البراقة. واليوم يريدون إعادة المشهد في يافع الصمود والعزة والجبروت،ولكن بنفس القافية الصرفية ذاتها، ولكن ليست من الحجرية م/تعز فقط بل من الحجورية م/حجة مديرية كُشر، بخناجر أخرى مغلفة بغلاف الدين، لكن هذه المرة باسم “الوعي الديني” و”الفكر السلفي الرشيد”. فأي عبث هذا، وأي استهتار بدماء وكرامة وعقول شعب الجنوب؟…!…..
كفى عبثاً بعقول الجنوبيين، كفى عبثاً بمستقبلهم وأمنهم. الجنوب أرض سلفية سنية، نقية من الصراعات المذهبية والطائفية التي يعج بها الشمال من زيدية وشيعية. فكان حرياً بمن يريد يدعوا الى السلفية الرشيدة أن يتوجهوا إلى تلك البقاع التي تعج بالطوائف والمذاهب في شمال اليمن حيث كانوا، لتدعوهم إلى الحق إن كنتم صادقين، لا أن تصروا على جعل الجنوب ساحة لتجاربكم السياسية والفكرية وميداناً لتصفية الحسابات بين اتباع السلفية نفسها.
إن أبناء الجنوب لن يسمحوا أن يتحول وطنهم إلى مسرح للصراعات السياسية والمذهبية. الجنوب كيان واحد، لحمة متماسكة، قلب واحد ونبض واحد ومذهب ديني واحد، من يافع إلى ردفان، ومن الضالع إلى شبوة، ومن أبين إلى حضرموت، ومن المهرة إلى سقطرى. كل الجنوب جسد واحد، لا يقبل التشظي ولا يسمح بأن تُذبح تضحيات شهدائه على مذبح المصالح الضيقة والتجارب الفاشلة.
دماء الشهداء ليست سلعة في مزاد السياسة، وليست أوراقاً تذروها الرياح. إنها أمانة في أعناقنا جميعاً، ولن نفرط بها ونحن نرى العابثين يتلاعبون بعقول الشباب ويسيسون الدين ليفرضوا وصايتهم على الجنوب.
كفى ألماً، كفى وجعاً، كفى نزيفاً للدم. الجنوب لن يُستباح بعد اليوم بخناجر تُرفع باسم الدين أو باسم السياسة أو باسم خطوات التصحيح المزيف وهي تخفي السم الرغاف لابنائه. لقد حان الوقت أن يُفهم الجميع أن الجنوب قرر أن يكون سيادياً، حراً،، آمناً، بعيداً عن كل عبث يُراد له أن يعيد سيناريوهات الأمس.
الجنوب اليوم يقولها بصرخة واحدة: لن نُذبح مرتين.لن نستباح مرتين.
كفى عبث بعقول ابنائه..