اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

بعسسة.. سخرية تفضح اقتصادا ينهار بهدوء.. قراءة من مقال “قصة عملتين” لعلي سيقلي

كتب/بسمة نصر

 

صحفية جنوبية – متذوقة لنصوص الكفاح والسخرية

 

منذ زمن، لم أقرأ مقالة اقتصادية تشعرني وكأنني أقرأ رواية قصيرة، مليئة بالمجاز، مغموسة بالفكاهة، لكنها تحاكي واقعا موجعا بمرآة ناصعة.

مقال “بعسسة.. قصة عملتين” للكاتب (علي محمد سيقلي)، ليس مجرد مادة عابرة تستعرض أرقاما أو تكرر نشرة أسعار الصرف. بل هو نص حي، يمشي على قدمين، يصرخ ويتألم، ويتقن فن الضحك وسط الانهيار.

الريال القعيطي في مقاله ليس ورقة نقدية، بل إنسان، عجوز مهترئ، يرتدي ثوبا متسخا، يتكئ على وعود فارغة، ويتلقى اللوم اليومي من الجميع، بينما الجناة يتفرجون من شرفات البنك الدولي.

أجمل ما في المقال، وأقساه، هو توصيف العلاقة بين الريال وبقية العملات: “ليست علاقة تبادل، ولا احترام متبادل، بل أشبه بحب من طرف واحد”.

 

هذه الجملة وحدها تكشف عن مأساتنا: الريال يركض خلف الدولار، يتوسل، يتنازل، في حين يواصل الدولار ارتفاعه وكأنه لا يسمع أحدا سوى طبول السوق السوداء.

 

ما فعله الكاتب في هذا النص، هو تعرية ثقافتنا في “التعايش مع الانهيار”.

لم يعد الأمر مجرد تدهور في القيمة، بل أصبح مرضا جماعيا… اعتدنا عليه، تكيفنا معه، صرنا نقول “الحمد لله، الأمور تمام” رغم أن الريال يعاني من نزيف مفتوح في جيب كل مواطن.

 

الفقرة التي يقول فيها: “ربما الريال بحاجة إلى جلسة علاج نفسي جماعي”.

هي ليست مزحة، بل واقع مرير لعملة لم يعد أحد يأخذها على محمل الجد.

لكن جمال النص لا يتوقف عند السخرية، بل يمتد إلى نقد مباشر لنهج الحكومة، ولصمت الناس، وللاستسهال الخطابي. من يقرأ المقال، يكتشف أننا لا نعيش فقط تحت رحمة سعر الصرف، بل تحت قمع فكري يدعونا للسكوت، ويمنعنا حتى من الحزن بشكل صادق.

كمواطنة، شعرت أنني جزء من هذه المعادلة الفاشلة التي يصفها الكاتب: “نقبض بالريال، وندفع بالدولار، ونلام على الأزمة وكأننا السبب”.

 

“بعسسة.. قصة عملتين” ليس مجرد مقال… بل مرآة صادقة لاقتصاد مهزوم.

هو صرخة ناعمة بحروف ساخرة، تطالب بمنح الريال فرصة أن يعامل كـ”عملة”، لا كمنديل ورقي.

 

ولأنني أقرأه للمرة الرابعة، مازلت أتذوق نكهته اللاذعة… وأتمنى لو لم ينته.

زر الذهاب إلى الأعلى