رواية تحت الطاولة: الفصل الثاني- أرشيف الخيانة

كتب / بسمة نصر
مرت فتاة شابة على المحل، تمسك بجهازها كما لو أنه قطعة من شرفها.
قالت بصوت منخفض وهي تخاطب المهندسة:
– “فيه صوري الخاصة… أمانة، لا تفتحيها أمام أحد، ولا تسلميه لأي حد.”
ابتسمت المهندسة، ورفعت يدها بقسم مسرحي واثق:
– “اطمني… أنا اللي بشتغل عليه بنفسي”.
لكن ما إن خرجت الفتاة حتى مضت المهندسة إلى الداخل بخفة، سحبت سلكا أبيض من الدرج، ووصلته بالجهاز.
أضاءت شاشة الكمبيوتر…
وانفتح مجلد جديد تلقائيا.
الصور بدأت تظهر، واحدة تلو الأخرى، كأن الهاتف كان يصرخ في صمت.
أنا نيسان. لست مهندسة، مجرد كاشير.
لكنني رأيت كل شيء من مقعدي الصامت خلف الطاولة.
رأيت المهندس يبتسم، ورأيتها – المهندسة – تراقب دون كلمة اعتراض.
المشهد لم يكن مفاجئا لهم، بل روتينا متكررا.
عادت الزبونة بعد نصف ساعة.
شكرتهم على “الأمانة”.
ومضت.
لكن صورها… بقيت.
منذ ذلك اليوم، أقسمت أنني لن أرسل هاتفي في أيد لا أعرف نواياها…
حتى لو كانت تبتسم وتقول: “اطمني”.
تلك الليلة، كتبت في دفتري الأسود:
“الصورة التي لا تريدين أن يراها أحد… قد تكون الآن خلف شاشة، تُستهلك بشاي وضحكات مجهولة”.
في اليوم التالي، دخلت امرأة مسنة تحمل هاتفا قديما.
كانت تريد فقط أن تخرج أرقام بناتها.
قالت المهندسة بازدراء:
– “يا حجة، ليش ما تشتري جوال جديد؟”
– “ما معي، يا بنتي… بس أبغى أرقامهم.”
ثم قالت لها سعرا مضاعفا.
دفعت المسكينة، ومضت.
سجلت كل شيء. لم أتكلم… لكنني رأيت.
وكتبت على الصفحة التالية:
> “في هذا المكان… تكرم المظاهر، ويهان الصدق.
الذاكرة ليست في الهاتف… بل في القلوب التي لم تحفظ العهد”.