مقال لرشا فريد: الضوء الأخضر الأمريكي

توقعت في مقالي السابق أنّ ابتزاز السعودية وفتح القضايا التي تم توريطها بها تباعًا، صار من المسلّمات، وما هي إلا مسألة وقت حتى يتم البت فيه. السعودية التي شكلت تحالفًا قويًا مع الإدارة الأمريكية السابقة لم تتوقع أنها ستغوص في مستنقع خطير قد يقضي على مستقبلها الوجودي.
ولأنّ مصالح الولايات المتحدة معروفة في المنطقة، فمن المؤكد أن السيناريو المعد لها لم ينتهِ بعد، بل إنه في بدايته. ويرجّح بحرب قادمة بين العرب وإيران.
إيران التي أدركت أن وجودها مهددًا فأضحت تطوِّر برنامجها النووي ووجودها السياسي والعسكري. وكقوة لا يستهان بها فإنّ واشنطن تتعامل معها بكل حذر، وتحاول أن تفككها رويدًا رويدًا وتنهكها بالحروب الداخلية والخارجية إلى أن يتم التدخل عسكريًا ومحوها عندما تكون الحرب شاملة بين العرب وبينها، بدأت من اليمن، وستنتهي إلى مالا يحمد عقباه لا قدر الله.
“الضوء الذي أعطي للسعودية للتدخل في اليمن هو نفسه الذي يعطى للحوثيين وإيران الآن”
برأيي، إنّّ استنزاف السعودية وإيران بهذه الحرب مؤشرٌ خطيرٌ لنوايا أولاد العم سام. فهم بالفعل قد عزموا النية لتشكيل خارطة جديدة للشرق الأوسط. وقد فهم الحوثيون وإيران أنها تعطيهم الضوء الأخضر عندما تم رفع الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية، وتصعيد قضية جمال خاشقجي يأتي لاستكمال الضوء الأخضر لهم، فعملوا على التصعيد لغزو الجنوب عبر بوابة مأرب، ومن ثم دخول السعودية. ليأتي دور الحرب الشاملة التي يريدها الغرب.
الضوء الأخضر الأمريكي قد يكون سرابًا وليس كما يعتقد الحليفان الفارسي والشيعي. فلا ننسى أنّ الضوء الأخضر قد أعطي لصدام لخوض الحرب على إيران ومن ثم غزو الكويت، ثم انقضّت على النظام العراقي بعد حصار طويل وإدخال العراق تحت الفصل السابع. وكذلك لا ننسى الضوء الأخضر الذي منحته للأكراد لعمل استفتاء وإعلان الإنفصال عن العراق ومن ثم نكصت عن كل وعودها. لذا لا نستبعد أن تتغير السياسة الأمريكية بين ليلة وضحاها. إذ أن الضوء الذي أعطي للسعودية للتدخل في اليمن هو نفسه الذي يعطى للحوثيين وإيران الآن.
لكن ما يهمنا الآن هو موقع الجنوب من كل هذا. وهل نستطيع استعادة ما أُخذ منا من أرض وهوية؟ وكيف نستطيع إقناع الشقيقة أن مخرجها الوحيد من مأزق اليمن لا يأتي من تحالفها مع أمريكا التي تريدها أن تغوص حتى الرأس في وحل اليمن المميت. فخيارها الوحيد هنا وأنا أتكلم من منطلق سياسي بحت، هو تقوية جبهة الإنتقالي بدلًا من إضعافها، ودعم جبهات الضالع بدلًا من تجاهلها، وسحب البساط من تحت القوات الإرهابية التي تأخذ الصفة الحكومية، وتبرؤها منها.
دعم السعودية لوجود قوى جنوبية مخلصة ضمان للردع قبل أن يستفحل الأمر، وهو المخرج حاليًا ولا مخرج غيره، فكل الطرق تؤدّي للهاوية. إلّا أن تُخرج نفسها بنفسها من هذا الفخ المميت حالًا، أما نحن فليس أمامنا سوى تقوية جبهتنا الداخلية وربط الأحزمة فالقادم يحتاج منا للصبر والجلد وإن غدًا لناظره قريب.