خرائط الحسم السياسي في اليمن: الجنوب يرسّخ واقعه والشمال يعيد حساباته

خرائط الحسم السياسي في اليمن: الجنوب يرسّخ واقعه والشمال يعيد حساباته
وضاح قحطان الحريري
التحولات الإقليمية المتسارعة وضعت الملف اليمني مجددًا على طاولة الفاعلين الدوليين، مع صعود لهجة الحسم بدلًا من المراوغة السياسية. قمة الخليج في الرياض وزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية فتحت الباب لمرحلة جديدة عنوانها: رسم ملامح استقرار في الجنوب والشمال، ولكن بمعادلات مختلفة.
في الجنوب، الواقع يتبلور على الأرض. المجلس الانتقالي الجنوبي يحظى بدعم إماراتي واضح، سياسيًا وعسكريًا، ومشاريع البنية التحتية الجارية في عدن والمكلا تعبّر عن نية لترسيخ وضع إداري وأمني مستقر. هناك خطوات فعلية باتجاه بناء مؤسسات مستقلة وإدارة ذاتية، في ظل دعم دولي غير معلن لكنه فعّال. هذا التوجه يعزز من فرص الجنوب للعب دور محوري في أي تسوية قادمة، بعيدًا عن الارتهان لمركزية متهالكة.
في المقابل، الشمال يعيش مأزقًا مركبًا. الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء، لكن سلطتهم محاصرة بعزلة دولية وانهيار اقتصادي مستمر. التحالفات القبلية تتآكل، ومشروعهم السياسي يواجه تحديات داخلية وخارجية. السعودية، من موقعها كقائد للمبادرة الخليجية، تسعى لصياغة حل يُبقي الشمال في دائرة التأثير العربي ويحدّ من النفوذ الإيراني، من خلال مسارات تفاوضية عبر سلطنة عُمان وقنوات دبلوماسية غير معلنة.
زيارة ترامب أيضًا شملت قطر، حيث ناقش معها الوضع في غزة، وسط تساؤلات عن أدوار غير معلنة في تغذية الصراع أو احتوائه. هذا الحراك الأميركي، المتزامن مع محاولة السعودية لرعاية فتح جزئي للعقوبات على سوريا، يعكس سعيًا لتصفير التوترات في أكثر من ملف، تمهيدًا لترتيب بيئة تفاوض ناضجة.
مع هذه التحركات، لا يبدو أن الحل اليمني سيأتي بصيغة شاملة. الجنوب يرسّخ واقعه بخطى مدروسة، والشمال يترقب مخرجًا من عنق الزجاجة. الخيار الأقرب هو الاعتراف بالحقائق على الأرض وبناء حلول سياسية منفصلة، تحفظ الاستقرار وتفتح المجال لتقاسم النفوذ بدلًا من الصراع عليه. فاليمن، كما يبدو، يتجه نحو معادلة “الاستقرار الواقعي” لا “الوحدة القسرية”.