اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

المتسلقون على جدار الإعلام.. حين يتحول المايكروفون إلى سلاحٍ للتشويه

 

كتب/ محمد الديني

في زمن الفوضى الرقمية، لم يعد الوصول إلى الجمهور حلمًا صعب المنال. كاميرا الهاتف، وحساب على إحدى المنصات، وكلمات تُلقى بلا وعي أو مسؤولية، أصبحت كفيلة بأن تصنع من أي شخص “إعلاميًا” في نظر بعض المتابعين.
لكن ما الذي يحدث حين يتسلّق على جدار الإعلام من لا يعرف من هذا الميدان إلا اسمه؟ حين يختبئ الجهل خلف لافتة “الصحفي”، وتتحول المنصات إلى ساحات لتصفية الحسابات الشخصية واغتيال السمعة؟

لقد صار المشهد الإعلامي يعجّ بنماذج غريبة؛ وجوه تتحدث باسم الناس وهي في حقيقتها لا تمثل سوى أهوائها. يرفعون شعار “حرية الرأي” بينما يمارسون أبشع أنواع التسلط الفكري على من يخالفهم. يهاجمون، يشتمون، يلوّنون الحقائق، ثم يختبئون خلف “الترند” وكأن الضجيج يصنع المصداقية.

الإعلام، أيها السادة، ليس كاميرا موجهة نحو الآخرين بقدر ما هو مرآة تُظهر الحقيقة كما هي، لا كما نريدها أن تكون. الإعلامي الحقيقي لا يُقاس بعدد متابعيه ولا بحدة كلماته، بل بقدرته على احترام عقل الجمهور، وبنزاهته في نقل المعلومة دون أن يُلوثها بانفعاله أو مصالحه.

المؤسف أن كثيرًا من المتابعين صاروا يخلطون بين الإعلامي المتسلق والإعلامي المحترف، لأن الأول يتقن الصراخ أكثر من الثاني، ويُجيد صناعة “الفضيحة” أسرع مما يصنع الخبر. وهكذا تُصبح الكلمة أداة هدم بدل أن تكون وسيلة وعي.

ولأن الإعلام مرآة المجتمع، فإن تشويه هذه المرآة لا يضر أهل المهنة فحسب، بل يضر وعي الناس كلهم. فحين يعتاد الجمهور على الخطاب السوقي، يفقد حسّه تجاه المصداقية، ويصبح الكذب مقبولًا ما دام “مشوقًا”.

يا من تتسلقون على جدار الإعلام: المايكروفون ليس لعبة، والكلمة ليست عبثًا. قد تكسبون المتابعين اليوم، لكنكم تخسرون احترام التاريخ غدًا. فالإعلام لا يخلّد الضجيج، بل يخلّد من قال الحقيقة بصوتٍ هادئ وثابت، ولو وسط عاصفة من الصراخ

زر الذهاب إلى الأعلى