اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

من يملك الأرض لا ينتظر الاعتراف.. بل ينتزعه

رائد عفيف

في الجنوب، لا تُكتب الحقيقة في البيانات، بل تُحفر في تفاصيل الحياة اليومية. تُحسّ في بطون الأطفال، في وجوه العابرين، في صمت الأمهات أمام ثلاجة فارغة. تُقطع الرواتب لا كخطأ إداري، بل كأداة عقاب. تُطفأ الكهرباء لا كعطل فني، بل كرسالة سياسية. يُهمّش الإنسان الجنوبي في مؤسسات يُفترض أنها تمثّله، ويُعامل كضيف في أرضه، وكأن الانتماء لا يكفي ليكون له حق.

في عدن، في الضالع، في لحج، في شبوة، لا تُمارس الحرب بالمدافع، بل بالقرارات. الشرعية لا تطلق النار، بل تطلق الإهمال. تخنقنا بالصمت، وتُمارس علينا حربًا ناعمة لا تُرى في نشرات الأخبار، لكنها تُشعر في كل بيت، في كل فاتورة، في كل انتظار بلا جدوى.

ثم يأتي خطاب وزير الخارجية، فيُقال إنه أساء لقضيتنا. لكن مثل هذه التصريحات لا تُقال عبثًا، بل تصدر من داخل منظومة حكم، وقد تعكس توجهًا سياسيًا أو تمرّ دون اعتراض. فهل نردّ على التوجه بورقة؟ هل نواجه السياسات ببيان؟

المجلس يردّ كما اعتاد: نستنكر، نرفض، نطالب، نحذر. كلمات محفوظة، تُكتب بنفس الترتيب، بنفس النبرة، وكأنها طقوس تُؤدى لا أدوات تُغيّر. لكن الناس لا تنتظر بيانًا، بل تنتظر راتبًا. لا تريد توضيحًا، بل تريد ماءً وكهرباءً وكرامة.

الجنوب لا يُحمى بالاستنكار، بل بالفعل. ولا يُستعاد بالردّ على التصريحات، بل بالردّ على السياسات. أما أن تجعلوا الشعب هو من يقرر ويساندكم، أو ستبقون تكتبون البيانات بينما تُكتب المعاناة على وجوه الناس.

نحن لا نريد أن نُحترم على طاولة الشراكة، بل نريد أن نغلبها. نريد أن نفرض واقعًا لا يُنتظر فيه الاعتراف، بل يُنتزع فيه الحق.
لأن من يملك القرار على الأرض، لا يساوم على اعتراف من لا يملك شيئًا.

الشرعية التي فرت من الميدان لا تملك أن تحاكم من بقي فيه.
والتي لا تسيطر إلا على مديريتين في مأرب وشارع في تعز، لا تملك أن تُنظّر على شعبٍ يحمي أرضه ويدفع ثمن كرامته يوميًا.

ومن يواجه الواقع لا ينتظر تصفيقًا من سلطة غائبة، بل ينتزع احترامه من الأرض التي يحميها.
فعهد الرجال للرجال، ومن يملك الأرض يملك الكلمة والقرار.

ربما آن الأوان أن نكفّ عن مغالطة أنفسنا. أن نقرأ التصريحات كمرآة للواقع، لا كمجرد إساءة. أن نواجه السياسات، لا أن نردّ على الأقوال. لأن البيان، مهما كان قويًا، لا يضيء بيتًا مظلمًا، ولا يملأ ثلاجة فارغة، ولا يردّ كرامةً مُهانة.

ورغم كل هذا، تبقى ثقتنا كبيرة بقيادتنا وبالمجلس الانتقالي الجنوبي، بأنها ستردّ على كل ما استخدمته الشرعية لمحاربة شعب الجنوب، ليس بالكلام، بل بخطوات عملية تُعيد الاعتبار، وتُثبت أن من يملك الأرض يملك القرار، ويملك القدرة على حماية كرامة شعبه.

زر الذهاب إلى الأعلى