اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.
مقالات الراي الجنوبي

في السادس من نوفمبر… حديث القلب عن الأخ`

 

بسمة نصر صالح

اليوم السادس من نوفمبر…
تاريخ عابر على التقويم، لكنه بالنسبة لي ليس عابرا في الذاكرة.
في مثل هذا اليوم، تتجدد في داخلي أوجاع لا تهدأ، وحنين لا يشيخ،
فكل يوم يمر عليا بلا صوت أخي، بلا ضحكته، بلا سؤاله البسيط “كيفك؟”
هو `يوم ناقص… يوم بلا ظلّ ولا أمان.`

كنت في الباص، صامتة، أراقب الحياة تمضي بوجوه لا تشبه وجهي.
إلى أن سمعت فتاة تجادل أخاها في الهاتف، بصوت متهور غاضب، تصرخ:
`الله ياخدك!`
كانت الكلمة عادية بالنسبة لها، لكنها بالنسبة لي خنجر فتح جرحا قديما لم يلتئم.

مددت يدي بهدوء غريب، كأن شيء بداخلي دفعني،
أخذت الهاتف منها وقلت لذلك الصوت البعيد:
`هي ما تقصد، لا تصدقها.`
ثم أغلقت الخط قبل أن تستوعب هي ما حدث.

صرخت الفتاة بدهشة:
`مالك حق تسوي كذا!`
التفت إليها والدمع في عيني وقلت:
الأخ سند، اليوم تعصبي، لكن بكرة لما يرحل فعلا، بتعرفي قيمة حضوره.
(ما أجمل وجود الأخ، وما أوجع غيابه).

صمتت، وبقيت أنا أكمل حديثي الذي تحول إلى عتاب للحياة أكثر منه لها:
“حسي بالدنيا في أخوك، مهما تضايقتي منه، لا تدعي عليه”.
الله حثنا على عدم قطع صلة الرحم، وأقرب صلة هي بين الأخ وأخته`.

نزلت دمعة لم أستطع منعها، فاقتربت الفتاة مني وسألت:
`ليش تبكين؟ تعرفي  أخي؟`
هززت رأسي وقلت بصوت مبحوح:
أخي مات… ومكانه فاضي في كل لحظة من عمري.
زعلت لما سمعتك تدعين على أخوك، لأنني تمنيت لو أسمع صوته حتى وهو يعاتبني،
تمنيت لو أعيش خصاما واحدا معه بدل هذا الغياب الطويل.

اقتربت أكثر، أمسكت يدي وقالت:
`سامحيني… ما كنت أقصد`.
حتى السائق الذي كان صامتا، قال بتأثر:
“كلامكم وجع القلب. وربي  الأخ سند، حتى وأنا خواتي يزعلوني أحيان،
بس والله ما أقدر أزعل منهم، حتى لو تزوجوا، أحاول أظل قريب،
أذكرهم دايم أن لهم أخ يشيل همهم، لأن صلة الرحم ما تنقطع”.

كانت لحظة صادقة، كأن الله جمعنا في ذلك الباص لنتذكر `معنى الأخوة.`
بعدها، أمسكت الفتاة بهاتفها واتصلت مجددا بأخيها، وقالت له:
“كنت أمزح، تعرفني أحبك”
ضحك وقال لها:
“ومن اللي ردت علي قبل شوي؟ أشتيها!” وكان صوته اكبر من ان تخفيه
ضحكت بخجل، ثم قالت:
“خلاص، متواصلين، ولا يهمك”.

عاود الاتصال لكنها لم ترد ابقته صامتا.

نظرت إلي وقالت مبتسمة:
حبيتك والله، جيبي رقمك، نبقى أصدقاء
ابتسمت وقلت:
“هاك، رقمي واتساب، لكن تذكري…
`أخوك سندك، لا تفرطي فيه مهما صار.`
حتى لو زعلك أو اختلفتوا، تمسكي فيه، لأن ما في شي بالدنيا يعوض الأخ الحقيقي.
هو أول من يحميك، وآخر من يخذلك.
هو اللي لو انهار العالم حواليك، يكفي إنك تعرفي أنه موجود

سكتنا قليلا، لكن كلامي ظل معلقا في الهواء، يشبه الدعاء.
قالت الفتاة بخفوت:
(يمكن الله بعثك لي اليوم عشان أتعلم معنى الأخ قبل ما يفوت الأوان).
ابتسمت وأنا أمسح دمعي وقلت:
ويمكن الله بعثني عشان أتكلم عنه، عشان أقول للناس لا يضيعوا سندهم قبل ما يخسروه.

في هذا اليوم، `السادس من نوفمبر،`
أكتب عن `الأخ لا كذكرى فحسب، بل كروح باقية رغم الغياب.`
أكتب له، ولكل من افتقد أخا كان له وطنا.
وأقول:
احمدوا الله على وجود إخوتكم،
فـ الأخ ليس مجرد إنسان من لحم ودم،
بل هو `جدار` تستند عليه أرواحنا حين تتعب،
وذاكرة `تسند` القلب حين ينهار.

سلام خاص مني اليوم،
لكل من يصادف عيد ميلاده
في هذا اليوم، ذكرا كان أو أنثى،
ولكل من يحمل اسم `بسام،`
أسأل الله أن يحفظك، ويجعلك سندا لا يزول،
وأن تبقى صلة رحمك عامرة بالحب والوفاء،
لأن الأخ، مهما غاب، يبقى في القلب… وطنا لا يغادر.

 يمكن أكون سببا في إيقاظك من غفلتك،
فارسل لـ أخيك صورة، أو ضعها في حالتك،
ليعرف العالم أن لك أخا… هو سندك، حاميك، وقطعة من قلبك.

زر الذهاب إلى الأعلى