اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

إعادة التسلح مقابل الغارات الوقائية.. ديناميكيات الهدنة الهشّة بين حزب الله وإسرائيل

 

النقابي الجنوبي/تقرير/خاص

تحركات لوجستية في الجنوب اللبناني وضربات جوية إسرائيلية متواصلة تعيد تعريف شروط الهدنة

اغتيال عنصر بارز من وحدة الرضوان التابعة لحزب الله، في عملية إسرائيلية السبت 1 نوفمبر 2025، لم يكن حدثًا منفصلًا، بل مؤشّرًا على تصاعد حملة تهدف إلى وقف جهود الحزب لإعادة بناء ترسانته في جنوب لبنان. ورغم سريان وقف إطلاق النار منذ نوفمبر 2024، تواصل إسرائيل غاراتها شبه اليومية، استنادًا إلى تقارير استخباراتية تفيد بأن الحزب يعيد تخزين صواريخ مضادة للدبابات والمدفعية، بل ويُنتج بعضها محليًا.

الجيش الإسرائيلي برّر العملية باعتبارها استهدافًا لشخص “متورط في ترويج مؤامرات إرهابية” ويعمل على “ترميم البنية التحتية العسكرية” للتنظيم. لكن خلف هذا التبرير تكمن استراتيجية أوسع: منع الحزب من استغلال فترة الهدنة لتعويض خسائره البشرية والمادية، بعد أكثر من ألف غارة إسرائيلية منذ نوفمبر الماضي. وبحسب مصادر مطلعة على الملف الاستخباراتي الإسرائيلي والعربي، فإن طرق التهريب لا تزال نشطة عبر سوريا، وبعض الأسلحة تُهرّب عبر موانئ غير رسمية.

هذا التسلّح يُعدّ خرقًا صريحًا لبنود اتفاق الهدنة، الذي ينص على حصر السلاح جنوب نهر الليطاني بيد الدولة اللبنانية. لكن حزب الله يرفض هذا المبدأ، معتبرًا أن سلاحه “ضروري للدفاع عن سيادة لبنان”. نائب الأمين العام نعيم قاسم قال، في تصريحات نقلتها رويترز، إن الحزب “لم يرد على الضربات الإسرائيلية منذ بدء الهدنة”، في محاولة لتصويره كطرف متحمّل يسعى لتفادي حرب جديدة، لكنه في الوقت نفسه اتهم الولايات المتحدة بأنها “راعية للعدوان”، ما يعكس رفضًا جوهريًا لأي تسوية تفرضها خارطة طريق غربية.

في المقابل، تحاول الدولة اللبنانية الحفاظ على موقف رسمي موحّد. رئيس الحكومة نواف سلام أعلن أن “حصر السلاح بيد الدولة قرار وطني لا رجعة فيه”، والرئيس جوزيف عون وجّه الجيش بـ”التصدي لأي توغل إسرائيلي”، خصوصًا بعد مقتل موظف بلدي خلال اقتحام قوات إسرائيلية لأحد قرى الجنوب. لكن هذا الموقف يصطدم بواقع قاسٍ: الدولة لا تملك القدرة الفعلية على فرض سطوتها على جماعة مسلحة منظمة مثل حزب الله، كما أظهرت تجربة التعامل مع الفصائل الفلسطينية، حيث نجحت السلطات في مصادرة أسلحة بعضها بينما فشلت مع حماس.

المبعوث الأمريكي توم باراك رفع سقف الضغط خلال مشاركته في منتدى حوار المنامة، حين قال إن “لبنان لا يملك ترف الوقت”، مضيفًا أن “آلاف الصواريخ في الجنوب تشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل”. وذهب أبعد من ذلك حين أشار إلى أن واشنطن ترى في غياب الحوار بين بيروت وتل أبيب “أمرًا غير معقول”، وأن إسرائيل “قد تتخذ إجراءات منفردة” إذا تأخرت الحكومة اللبنانية. هذه الرسالة المزدوجة—الضغط على بيروت وشرعنة التصعيد الإسرائيلي—تعمّق من هشاشة الهدنة.

التناقض لا يقتصر على الخطاب. فبينما يطلب لبنان وقف الغارات، تواصل إسرائيل ضرباتها باعتبارها وسيلة وقائية. وصحيفة جيروزاليم بوست أشارت إلى أن الهدف من هذه الغارات ليس الانتقام، بل “منع حزب الله من إعادة بناء ترسانته” والضغط على الدولة اللبنانية لاتخاذ خطوات فعلية. هذا التفاعل المتبادل—تسلّح مقابل قصف—يحوّل الهدنة إلى فترة سكون مؤقتة، لا إلى مسار مستدام.

اللافت أن التفاؤل الذي ساد مطلع العام الماضي حول قدرة لبنان على اتخاذ “القرار الصحيح” يبدو اليوم محل شك. فالانقسام الداخلي حول سلاح الحزب عميق، والدعم الإقليمي لا يترجم على الأرض، بينما تزداد حدة التهديدات الإسرائيلية. ما يجري لا يشبه مفاوضات نزع سلاح، بل سباقًا محمومًا بين طرف يحاول إعادة التزويد، وآخر يحاول قطع طرق الإمداد قبل فوات الأوان.

في هذا السياق، تصبح كل غارة، وكل تصريح من باراك أو قاسم، وكل أمر يصدره الجيش اللبناني، جزءًا من مواجهة صامتة تدور حول مستقبل الهدنة. فهل تصمد هذه الهدنة أمام ترسانة تُعاد تعبئتها تحت القنابل؟ أم أننا نشهد فترة سكون مؤقتة قبل عاصفة جديدة؟

زر الذهاب إلى الأعلى