اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

محمد النعماني يكشف في مقاله “الجنوب المسلوب : إرث الهيمنة والقرار الضائع”

 

بقلم / محمد علي رشيد النعماني

﴿ تنويه : جميع المعلومات الواردة في هذا المقال مقتبسة من مقال مايكل روبين المنشور في صحيفة Middle East Forum Observer بتاريخ 20 يوليو 2025 ﴾ .

يُعدّ معهد المشاريع الأمريكية (AEI) أحد أبرز مراكز الفكر المحافظ في واشنطن ويُعرف بتأثيره الواسع على دوائر صنع القرار داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي خصوصاً في مجالات السياسة الخارجية والأمن القومي أما الكاتب مايكل روبين فهو باحث بارز في المعهد وسبق أن عمل في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وله سجل طويل في التحليل السياسي المتعلق بالشرق الأوسط واليمن تحديداً من هذا المنطلق لا يمكن قراءة مقاله حول فشل مجلس القيادة الرئاسي بوصفه مجرد رأي أكاديمي بل هو إشارة مبكرة لتحوّل في المزاج الأمريكي تجاه بنية السلطة المعترف بها دولياً في اليمن وخصوصاً في ظل تنامي الفجوة بين الشمال والجنوب وفشل المجلس في تحقيق الاستقرار أو مواجهة الحوثيين .

يُعدّ مقال مايكل روبين المنشور في معهد المشاريع الأمريكية تحت عنوان “فشل المجلس القيادي الرئاسي في اليمن” من أكثر المقالات التي تُعبّر عن هذا التحول بوضوح إذ لم يتعامل روبين مع المجلس الرئاسي كإطارٍ سياسي فاشل فحسب بل اعتبره نموذجاً للفشل البنيوي المتجذّر في الطبقة السياسية الشمالية التي ما زالت تتعامل مع الجنوب بعقلية الوصاية والكراهية التاريخية في حين يقدّم الجنوب بوصفه الكيان الأكثر استقراراً وانضباطاً سياسياً وإدارياً في البلاد .

يرى الكاتب أن المجلس القيادي الرئاسي الذي تأسس في أبريل 2022 بعد تنحي عبدربه منصور هادي لم يكن مشروعاً وطنياً جامعاً كما رُوّج له بل مجرد صيغة مفروضة من الخارج جمعت شخصيات متناقضة الولاءات والأهداف تحت مظلة واحدة دون رؤية أو انسجام فتحوّل سريعاً إلى سلطة مشلولة تفتقر للفاعلية وتعاني من فسادٍ مستشري وضيق أفقٍ سياسي جعلها عبئاً على اليمنيين بدل أن تكون مخرجاً من الأزمة ويصف روبين المجلس بأنه انعكاس لنموذج “حكومة الفنادق” إذ يقيم معظم وزراءه وقادته في الخارج بين القاهرة وجدة بينما يعيش المواطن اليمني في الداخل بلا خدمات أو أمن أو مورد حقيقي مؤكداً أن هؤلاء السياسيين يطلبون الدعم الدولي لمواجهة الحوثيين أو مكافحة الفقر لكنّ الأموال تُحوّل في النهاية إلى مصالح شخصية أو حزبية وإلى تمويل حياة البذخ والترف في الوقت الذي يزداد فيه الشعب فقراً ومعاناة .

ينتقد روبين رئيس المجلس رشاد العليمي ورفاقه بوصفهم امتداداً للنخبة الشمالية التي ورثت عقلية السيطرة على الجنوب مشيراً إلى أن العليمي “ككثير من السياسيين الشماليين” يبدو أكثر اهتماماً بمنع الجنوب من النهوض والازدهار منه بمواجهة الحوثيين وأن كراهيتهم العميقة للجنوب تُوجّه قراراتهم وسلوكهم داخل المجلس والحكومة فكل خطوة تُتّخذ تُقاس بمقدار ما تمنع الجنوب من أن يصبح كياناً مزدهراً مستقلاً بإدارته وموارده ويورد الكاتب أمثلة صارخة على هذا السلوك منها رفض الوزارات التي يهيمن عليها مسؤولون شماليون السماح ببيع النفط الجنوبي رغم امتلاء الخزانات وتعمدهم تعطيل تراخيص الاتصالات حتى لا يتمكن الجنوب من بناء بنيته التحتية المستقلة وهو ما جعل الحوثيون يستمرون في السيطرة على شبكة الاتصالات على مستوى البلاد ما يشكّل ثغرة أمنية خطيرة و”هدفاً ذاتياً” كما وصفه روبين ناتجاً عن ضيق الأفق السياسي وحسابات الأنانية المناطقية كما يلفت إلى أن بعض الأعضاء المنتمين لحزب الإصلاح مثل سلطان العرادة وعبدالله العليمي يوفّرون غطاءً غير مباشر لكلٍّ من الحوثيين وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب مما يكرّس حالة الفوضى والانقسام ويقوّض أي جهد وطني جامع .

في المقابل يشير روبين إلى أن الجنوب يمثّل “الجزء المستقر الوحيد في البلاد” وأن استمرار سياسة التضييق عليه سواء في ملف النفط أو الاتصالات أو الإدارة المحلية يُهدد بتقويض آخر مناطق الاستقرار فيه معتبراً أن هذا السلوك لا يعكس فقط فشلاً سياسياً بل حقداً تاريخياً مترسخاً في ذهنية النخبة الشمالية تجاه الجنوب منذ الوحدة وهو الحقد الذي جعلهم يرون في ازدهار الجنوب خطراً على نفوذهم لا فرصة لبناء دولة متوازنة ويؤكد روبين أن المشكلة ليست في الأشخاص بقدر ما هي في البنية العقلية التي تحكم مؤسسات الحكم اليمنية .

تلك البنية ما زالت تتعامل مع الجنوب كغنيمة لا كشريك وتمنع أبناءه من الاستفادة من مواردهم الطبيعية خشية أن يقودهم ذلك إلى تحقيق استقلال اقتصادي وسياسي مضيفاً أن هذه السياسة قصيرة النظر هي التي أوصلت اليمن إلى وضعه الحالي تماماً كما فعل الرئيس السابق علي عبدالله صالح عندما تحالف مع الحوثيين بعد تنحيه ففتح الباب لانهيار الدولة من الداخل لذلك يدعو روبين إلى حلّ المجلس الرئاسي نهائياً واستبداله بصيغة أكثر واقعية تقوم على نظام ثنائي الرئاسة بحيث يكون هناك رئيس فخري ونائبان فقط أحدهما من الشمال والآخر من الجنوب يتوليان إدارة مناطق كل منهما بصلاحيات كاملة ويعيشان بين شعبيهما داخل اليمن معتبراً أن الحكم الرشيد لا يمكن أن يُمارس من خارج البلاد وأن الدول المانحة ينبغي أن تفرض قيوداً صارمة على المسؤولين الذين يقيمون طويلاً في الخارج ويرى أن هذه الصيغة ستُعيد التوازن المفقود وستحافظ على استقرار الجنوب الذي لا يرغب في أن يُحكم من قوى خارجية أو نخب شمالية كما أنها ستُقلّل من فرص الفساد وستُمهّد لقيام دولة فيدرالية حقيقية تعترف بالحقائق الجغرافية والسياسية القائمة.

ويختم روبين مقاله بدعوة واضحة إلى أن يتعامل المجتمع الدولي بواقعية مع المشهد اليمني فالدبلوماسية الناجحة كما يقول ليست في مضاعفة الفشل بل في الاعتراف به وتصحيحه مؤكداً أن استمرار فرض الوحدة القسرية أو بقاء المجلس الرئاسي بصيغته الحالية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والاضطراب وأن الحل يكمن في نموذج فيدرالي يمنح الجنوب حق إدارة شؤونه بحرية ويمنع النخب الشمالية من مواصلة الهيمنة .

بهذا الطرح يقدّم روبين واحدة من أكثر القراءات الأمريكية صراحةً ووضوحاً في توصيف طبيعة الصراع داخل اليمن ويكشف بوضوح أن جوهر المعضلة لم يعد سياسياً فقط بل نفسياً وثقافياً حيث ما زالت النخبة الشمالية تنظر إلى الجنوب بعين الريبة والرفض وتتعامل معه بمنطق السيطرة لا الشراكة وهو ما يجعل أي تسوية لا تقوم على الاعتراف بحق الجنوب في إدارة نفسه مجرد تكرارٍ لأخطاء الماضي التي أفرزت الحرب والانقسام والدمار ..

زر الذهاب إلى الأعلى