كهرباء عدن… شكرًا مع التحية

ثروت جيزاني
تقدير للجهد الصادق
الشكر الجزيل لمدير عام مؤسسة كهرباء عدن على محاولته الصادقة وبذله الجهد في الذهاب إلى مديرية أحور بمحافظة أبين، في محاولةٍ لإطلاق القواطر المحتجزة هناك.
وهي خطوة تعبّر عن حرص شخصي ومسؤولية مهنية عالية.
لكن، للأسف، تبدو هذه الجهود وكأنها تُبذل في معركة خاسرة سلفًا؛ إذ ما الجدوى من كل هذا العناء في سبيل تشغيل محطات لا تُنتج سوى ساعتين فقط من الكهرباء يوميًا؟!
ساعتان من الوهم!
ساعتان بالكاد تكفيان لإيهام الناس بأن التيار لم ينقطع تمامًا، لكنها لا تبرّر كل هذا الجهد ولا تستحق كل هذا العناء.
نحن نعلم أن هدف قيادة كهرباء عدن هو ضمان استمرار تشغيل محطة الرئيس لتتمكن من تمرير وتشغيل الطاقة المتاحة من محطة الطاقة الشمسية عبرها.
مفارقة مؤلمة
والمفارقة المؤلمة أن وزير الدفاع نفسه استعرض القوات العسكرية هناك في احتفالات أكتوبر، يوم الثلاثاء 14 أكتوبر، في منطقة جِحين بمديرية لودر القريبة من مديرية أحور، جنبًا إلى جنب مع القطاع القبلي المحتجز للقواطر المخصصة لمحطات الكهرباء!
وكأن الأمر لا يعني أحدًا، وكأن احتجاز الوقود لا يهدد حياة ملايين المواطنين الذين يعيشون في ظلامٍ خانق.
المشهد بأكمله يلخّص حال البلاد: مظاهر احتفالية فخمة على السطح، وفوضى عميقة في الجوهر، بينما المواطن يدفع الثمن يوميًا.
حكومة لا تدفع… ولا تتحمل المسؤولية
الأدهى من ذلك أن الحكومة، التي يُفترض أن تتحمل المسؤولية عن هذا الانهيار، لا تدفع سنتًا واحدًا من قيمة الوقود المخصص لمحطات الكهرباء، إذ يقتصر دورها على تغطية أجور النقل فقط!
أما تكلفة الوقود المحلي المستخرج من النفط الخام فتكاد تكون صفرًا بالنسبة للخزينة، ومع ذلك لا ينعكس هذا الواقع على المواطن بأي شكل من الأشكال.
فبدلًا من أن يستفيد المواطن من انخفاض تكاليف التشغيل أو من وفورات الوقود المحلي، يجد نفسه محاصرًا بارتفاع ساعات الانقطاع، بل بانقطاع شبه كامل للكهرباء في عدن.
وفورات مهدورة
ولم تتوقف المفارقات هنا؛ فحتى بعد توقف محطات الطاقة المستأجرة التي كانت تستنزف ميزانيات ضخمة في الوقود وقطع الغيار والصيانة ، لم تُستفد الحكومة من ذلك الوفر في تقوية المحطات الحكومية أو تحسين الخدمة العامة.
بمعنى آخر: توقفت النفقات، لكن لم تظهر أي وفورات، وتراجع الأداء، وبقيت المعاناة كما هي، بل ازدادت سوءًا.
تجربة الحكومة السابقة
وهناك مفارقة أخرى، إذ قامت الحكومة السابقة عبر لجنة المناقصات بتخفيض سعر طن الديزل إلى ما يقارب النصف، وهي وفورات كان يمكن – لو وُجهت بشكلٍ صحيح – أن تضاعف حجم مشتريات وقود التوليد لمحطات الكهرباء، ما كان سيؤدي إلى استقرار طويل الأمد يتناسب مع خفض قيمة طن الديزل.
أزمة ادارة
إن ما يجري اليوم في قطاع الكهرباء بعدن ليس سوى صورة مصغّرة لأزمة الإدارة والفساد واللامبالاة التي تعصف بكل مفاصل الدولة.
فحين تصبح الكهرباء ترفًا موسميًّا، وحين يتساوى الجهد الصادق لبعض المسؤولين الميدانيين مع عبث السياسات العليا، وحين يُكافئ الإهمال بالصمت، فلا يمكن الحديث عن حلول قريبة أو إصلاحات حقيقية.
أمل في الوعي والمسؤولية
يبقى الأمل فقط في أن يدرك الجميع من أعلى هرم السلطة إلى أصغر موظف في الميدان ، أن الكهرباء ليست مجرد خدمة، بل حقٌّ أساسي وحجر زاوية لأي استقرار أو تنمية.
أما استمرار هذا الوضع المأساوي، فلا يعني سوى مزيد من الظلام… ظلام الكهرباء…وظلام الوعي، وظلام المستقبل.
ثروت جيزاني
17 أكتوبر 2025م