اعلان كاك بنك صحيفة النقابي.

المغرب يردّ : أصوات وطنية تُفند تحريض توكل كرمان وتطالب بسحب جائزة نوبل

 

النقابي الجنوبي/تقرير/هشام صويلح

لم تمر تغريدة توكل كرمان الأخيرة مرور الكرام. فحين كتبت من خلف شاشتها أن “المجد للشعب المغربي الثائر”، مرفقة ذلك بمقاطع فيديو تحريضية، لم تكن تدري أن كلماتها ستفجّر موجة غضب وطنية عارمة، لا من فوق، بل من القاع: من الشارع، من المؤسسات، ومن قلوب المغاربة أنفسهم.

الاحتجاجات التي شهدها المغرب أواخر سبتمبر لم تكن انقلابًا، ولا محاولةً لاقتحام القصور. كانت أصوات شباب يطالبون بمستشفى يُعالج، ومدرسة تُعلّم، وفرصة عمل لا تُهان فيها الكرامة. حتى منظمات حقوقية مغربية مستقلة أقرّت بأن الغالبية العظمى من هذه التحركات سلمية، منظمة، وواضحة في مطالبها. لكن كرمان اختارت أن ترى غير ذلك. رأت “ثورة”، و”زحفًا نحو القصر”، و”ربيعًا جديدًا”، في وقت كان فيه المتظاهرون أنفسهم يُصلّون على سلامة الوطن.

فجاء الرد من حيث لم تتوقّع.

من الرباط، قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”: “استقبلناها في المغرب ذات يوم كضيفة شرف، نزلت في فنادق فاخرة، وغادرت دون أن تترك أثرًا سوى الابتسامات. اليوم، تعود لتُحرّض على تدمير ما بنيناه بعرق السنين؟”. وأضاف بأسى: “هل تعرف أصلًا ما الذي يريده المغربي؟ أم أنها تُسقط أشواقها على واقع لا تفقه منه شيئًا؟”.

أما هيئة المرأة العربية، فلم تتردّد. فقد وصف أمينها العام محمد الدليمي تصريحات كرمان بـ”المشينة”، مُذكّرًا بأنها “لم تحمي وطنها حين احترق، فكيف تطلب منّا أن نسلّم وطننا ليد لم تعرف إلا أن تُلهب؟”. ولفت إلى أن الهيئة كانت سبّاقة في منع تعيين كرمان في لجان دولية، “لأن سجلّها لا يتوافق مع قيم السلام التي تدّعيها”.

وفي الأحزاب، لم يكن الصمت خيارًا. مصطفى بنعلي، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، كتب بلهجةٍ لا تخلو من سخرية: “السيدة التي تتنقّل بين قصور إسطنبول، وتتزيّن بجائزة نوبل، نسيت أن شعبها يبحث عن لقمة خبز، لا عن خطابات في مؤتمرات فخمة”. وسأل: “كيف لمن فرّت من بلادها أن تُعلّمنا كيف نحمي وطننا؟”.

الإعلام المغربي، بدوره، لم يكتفِ بنقل الردود، بل غاص في التناقضات. فما بين من وصفها بـ”بومة الشؤم التي تنعق في الظلام”، ومن رآها “أيقونة فارغة تبحث عن أضواء انطفأت”، كان هناك اتفاقٌ خفيّ: المغرب ليس ساحة لتصفية حسابات الآخرين. كاتبة من طنجة كتبت: “نحن نعرف الفرق بين من يرفع لافتة سلمية، ومن يكسر زجاج متجر ليلاً. ولا نسمح لأحد أن يخلط بينهما ليصنع لنفسه شهرة”.

وحتى في المقاهي والأسواق، كان الحديث واحدًا. يقول شاب من الدار البيضاء: “من عاش الحرب لا يُحبّ أن يراها في غير بيته، إلا إذا كان مريضًا”. وسألت صاحبة دكان في فاس: “لو كانت تهتمّ بنا حقًّا، ألم تكن لتدعو إلى دعم المشاريع، لا إلى حرقها؟”.

الأمر لم يقتصر على الرفض. فقد بدأ الحديث، بجدّية، عن سحب جائزة نوبل منها. ليس كردّ فعل عاطفي، بل كمطالبة أخلاقية. فكيف لمن تمجد التخريب أن تحتفظ بلقب “سفيرة سلام”؟ كيف لمن تصف حرق سيارة شرطة بـ”المجد” أن تُعتبر مرجعًا في حقوق الإنسان؟

اللافت أن هذا المطلب لم يأت من جهة واحدة، بل تلاقت عليه أصوات من جهات لم تتوافق من قبل. حقوقيون، سياسيون، نساء، شباب، وحتى رموز تقليدية، اجتمعوا على فكرةٍ بسيطة: السلام لا يُقاس بالكلمات، بل بالأفعال. ومن يحرّض على الفتنة من وراء الحدود، لا يستحق أن يُلبس وسامًا صُنع ليُكرّم من يبنون الجسور، لا من يزرعون الألغام.

في النهاية، لم يكن ردّ المغرب على كرمان مجرد دفاع عن مؤسسات، بل تأكيد على خيار عاش عليه منذ عقود: أن الإصلاح لا يأتي بالانقلاب، بل بالحوار. وأن الاستقرار ليس ترفًا، بل ثروة وطنية لا تُقدّر بثمن.
وأن شعبًا حافظ على وحدته في أحلك الظروف، لن يسمح لأحد أن يُعيد عليه دروسًا من كتاب كُتب بدماء شعوب أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى