شبكة تهريب مدعومة من الحوثيين تُفكك في أبين.. اعترافات تكشف التمويل المباشر من صعدة

النقابي الجنوبي/خاص
في مطلع أغسطس 2025، غرق قارب خشبي قبالة ساحل شقرة بمحافظة أبين، حاملاً معه عشرات المهاجرين الأفارقة الذين قضى أكثر من سبعين منهم غرقًا. لم تكن المأساة حادثًا عابرًا، بل كشفت الوجه المظلم لشبكة تهريب منظمة تديرها قيادة حوثية من صعدة وتنفذها خلاياها على الأرض. هذه الفاجعة تحولت إلى شرارة لتحقيقات أمنية واسعة أطاحت بإحدى أخطر شبكات الاتجار بالبشر في الجنوب.
تمكنت الأجهزة الأمنية بمحافظة أبين، منتصف أغسطس 2025، من تفكيك شبكة تهريب واسعة للمهاجرين غير الشرعيين من القرن الأفريقي، كانت تنشط على سواحل الجنوب العربي، بعد عملية أمنية مكثفة شملت السيطرة على مواقع استراتيجية في شقرة وأحور. وتكشف التحقيقات والاعترافات المصورة للمتهمين عن أن الشبكة تعمل تحت إشراف قيادي حوثي بارز من محافظة صعدة اليمنية، مع منظومة مالية وإدارية منظمة، ما يجعلها جزءً من عمليات إجرامية عابرة للحدود.
اعترافات تكشف منظومة التمويل والإشراف
بثت إدارة أمن أبين تسجيلات فيديو تحتوي على اعترافات أفراد الشبكة، الذين كشفوا عن دور كل عنصر في تسهيل تهريب المهاجرين الأفارقة. وأكد المتهم أحمد عبده توفيق من محافظة إب اليمنية، الذي يعمل في بقالة بمنطقة شقرة، أنه كان يقدّم خدمات غذائية وإيوائية للمهاجرين بعد وصولهم، بتكليف من القيادي الحوثي صالح هادي هرمل من صعدة، متلقيًا أموالاً بالدولار عبر شركات صرافة محلية لتمويل هذه العمليات.
أما عبد الله راشد علي الجراري، من محافظة ريمة اليمنية وهو عسكري في اللواء 314، فأوضح أنه يستلم المهاجرين من شخص يُعرف بـ”الشيبة”، ثم يوزعهم على “أحواش” ومزارع نائية تحت إشراف عثمان المشيب، الذي يسلم المبالغ المالية بالدولار ويعمل بأوامر مباشرة من هرمل. وأضاف الجراري أن عصابة محلية توفر الحماية للمهاجرين مقابل مبالغ مالية، في حين يتم التخلص من غير القادرين على الدفع بطرق أخرى.
العمليات اللوجستية وأساليب التهريب
كشف عثمان المشيب، المنتمي أيضًا إلى صعدة اليمنية، عن دوره كـ”الدينمو المحرك” للشبكة في أبين، من خلال تموين المهربين بالوقود والمواد الغذائية، وتنسيق عمليات التهريب البحرية. وأوضح المشيب أن المهاجرين يُنقلون من سواحل جيبوتي (منطقة حيو) إلى أبين عبر قوارب صغيرة، قبل تسليمهم إلى العصابات المحلية (الشيبة وأولاده) التي تؤمن نقطة الوصول وتوجههم نحو أماكن إيواء سرية.
وتظهر الملفات المضبوطة أثناء المداهمات حجم المعاملات المالية الضخمة للشبكة، بالعملة الصعبة، ما يثبت أن تهريب المهاجرين يتم ضمن منظومة مالية وإدارية محكمة، وليست عمليات عشوائية.
توقيف عنصر أفريقي محوري في شبكة التهريب
سبق العملية الأمنية يوم 13 أغسطس 2025، إلقاء القبض على شخصية أجنبية، مالك ومدير مكتب دولي معروف باسم “مكتب سراج”، مختص بتهريب المهاجرين الأفارقة والتجارة بالبشر والممنوعات، وذلك أثناء وصوله إلى مطار عدن الدولي. وأظهرت التحقيقات أنه كان يسعى لعقد لقاء في الشريط الساحلي بأحور مع مهربين محليين.
وأكدت الأجهزة الأمنية أن هذه العملية تمثل ضربة قاصمة للشبكات المدعومة من الحوثيين، وتجسد الجاهزية العالية لقوات الأمن في إحباط المخططات العابرة للحدود وحماية أمن واستقرار المحافظة.
الحملة الأمنية ومداهمة أوكار المهربين
في مطلع أغسطس 2025، نفذت الأجهزة الأمنية بمحافظة أبين حملة واسعة سيطرت خلالها على مواقع تمحن، الكسّارة، الحجلة في شقرة، وموقع آخر في ساحل أحور، تحت إشراف العميد علي ناصر بوزيد، مدير أمن أبين. وشملت الحملة قوات الأمن العام والحزام الأمني ومحور أبين القتالي.
وأكد العميد بوزيد في تصريح صحفي أن الحملة ستتوسع لتشمل المنطقة الوسطى ومديرية المحفد، ضمن خطة متكاملة لتجفيف منابع التهريب. ودعا الجهات المعنية إلى التنسيق الإقليمي والدولي للحد من هذه الظاهرة التي تشكل تهديدًا أمنيًا وإنسانيًا.
تحذيرات رسمية ودور المجتمع
صدر بيان هام عن إدارة أمن أبين شدد على اتخاذ إجراءات صارمة بحق كل من يثبت تورطه في نقل أو تهريب اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، بما في ذلك مصادرة وسائل النقل المستخدمة، وتطبيق العقوبات الرادعة بحق المهربين.
ودعت الإدارة الأهالي إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة، معتبرة حماية الأمن والاستقرار مسؤولية جماعية، وأن المرحلة المقبلة ستشهد ملاحقة متواصلة لبقية عناصر الشبكة.
أبعاد الشبكة الحوثية وتأثيراتها على الأمن والاستقرار في الجنوب
إن تفكيك هذه الشبكة لا يمثل مجرد نجاح أمني محلي، بل يكشف أبعادًا أكبر لتمويل الحوثيين ونفوذهم في تهريب البشر عبر سواحل الجنوب العربي. منظومة التهريب هذه تعتمد على سلسلة من الأفراد المحليين والأجانب، وتشير الملفات المالية المضبوطة إلى أن الحوثيين يستخدمون هذه العمليات كشبكة تمويلية سرية لدعم أنشطتهم في صعدة. كما تؤكد التحقيقات أن دور المجتمع المحلي في الإبلاغ والتعاون مع الأمن يشكل عنصرًا حاسمًا في الحد من هذه الظاهرة العابرة للحدود.