أمطار عدن بين «الطبيعة والعشوائية».. تفاصيل أسبوع كارثي

النقابي الجنوبي/هشام صويلح
شهدت العاصمة عدن، منذ فجر الثلاثاء 19 أغسطس وحتى السبت 23 أغسطس 2025، واحدة من أعنف موجات المنخفضات الجوية في تاريخها الحديث، حيث تحولت الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، خصوصًا في مديرية البريقة بمناطق الحسوة وبئر أحمد.
البداية: أمطار مفاجئة وتحرك عاجل
مع الساعات الأولى من فجر الثلاثاء، باغتت الأمطار الرعدية الغزيرة سكان المديريات، متسببة في انزلاق صخري وإصابات بشرية في التواهي. وعلى الفور، أصدر محافظ العاصمة عدن (أحمد حامد لملس) توجيهاته للجهات الخدمية والدفاع المدني وصندوق النظافة بالتحرك السريع لمساندة المواطنين.
وبحلول منتصف اليوم، كان المحافظ قد أجرى جولات ميدانية في صيرة والمعلا وخور مكسر والتواهي، مطمئنًا على المصابين، ومؤكدًا نشر فرق ميدانية لمواجهة تداعيات المنخفض.
هدوء قصير.. واستعدادات متواصلة
الأربعاء والخميس لم تشهد العاصمة عدن أمطارًا غزيرة، لكن جهود تصريف المياه ورفع المخلفات استمرت بوتيرة متسارعة، حيث شدّد لملس خلال جولاته على ضرورة الإسراع بتنظيف الشوارع وتنفيذ حملات الرش الضبابي تحسبًا لأي مخاطر صحية.
السبت الأسود: البريقة منطقة منكوبة
صباح السبت 23 أغسطس مثّل نقطة التحول الدراماتيكي. فموجة أمطار غزيرة غير مسبوقة اجتاحت العاصمة عدن، ترافقت مع سيول جارفة اندفعت من مرتفعات لحج، لتغرق البريقة بالكامل وتحوّلها إلى منطقة منكوبة.
السيول جرفت سيارات وباصات، ودمرت منازل وممتلكات، فيما حاصرت مئات الأسر داخل بيوتها. وفي الحسوة ابتلعت السيول سبعة أشخاص، أنقذ ثلاثة منهم بينما ظل أربعة في عداد المفقودين.
مأساة تتضاعف بسبب البناء العشوائي
شهادات المواطنين ألقت الضوء على السبب الأخطر، البناء العشوائي أمام مجاري السيول. فقد تسببت مخططات الأراضي غير الرسمية التي بنيت عليها المنازل في سد مجرى الوادي الكبير الذي يصب في بحر ساحل الحسوة، ما جعل المياه ترتدّ بعنف إلى مساكن المواطنين. هذه الحقائق كشفت هشاشة التخطيط الحضري، وأكدت أن الكارثة لم تكن طبيعية فقط، بل صنعتها أيادي الإهمال والعشوائية الممتدة منذ أيام عهد عفاش.
السلطة المحلية.. بين الاستجابة والإمكانات المحدودة
أعلنت السلطة المحلية في البريقة نداء استغاثة عاجل للمنظمات الأممية والدولية، مطالبة بدعم عاجل يشمل مأوى طارئ ومواد غذائية وأدوات إغاثة. المحافظ (لملس) وصف المديرية بالمنكوبة، مؤكدًا أن الأولوية لإنقاذ الأرواح وتأمين الأسر المتضررة.
القوات الأمنية، وعلى رأسها الحزام الأمني وشرطة البريقة، شاركت في عمليات إنقاذ وإجلاء، بمساندة متطوعين من وجهاء محليين قدّموا معدات بدائية لفتح مجاري السيول وشفط المياه.
الموقف السياسي والمجتمعي
المجلس الانتقالي الجنوبي عبر عن استعداده الكامل لدعم جهود السلطة المحلية، مساندًا خطط الطوارئ على المستويين الصحي والخدمي. كما دعت السلطة المحلية المواطنين للتكاتف المجتمعي، خصوصًا في مناطق بئر أحمد والحسوة، لتجاوز المحنة.
كارثة مركبة ورسائل إنذار
المنخفض الجوي كشف حقيقة قاسية: أن غياب البنية التحتية لشبكات تصريف مياه الأمطار، وتمدد البناء العشوائي في مجاري السيول، حول أمطارًا موسمية إلى كارثة إنسانية.
السلطة المحلية أكدت أن تجاوز الأزمة لن يكون إلا عبر حلول جذرية تشمل بناء شبكة حديثة لتصريف المياه، وإعادة تنظيم التخطيط الحضري بما يضمن حماية الأرواح والممتلكات.
جرس إنذار لمستقبل عدن
على امتداد خمسة أيام ما بين الثلاثاء والسبت، انتقلت عدن من حالة الطوارئ المحدودة إلى الكارثة الكاملة. لم تكن الأمطار وحدها السبب، بل كشف المنخفض عن ضعف في البنية التحتية، وغياب للتخطيط. الكارثة شكلت جرس إنذار، بأن مستقبل عدن مرهون بمدى قدرة السلطات على الانتقال من المعالجات المؤقتة إلى حلول مستدامة تعصم العاصمة عدن من تكرار المأساة.